جواهر القرآن أبو حامد الغزالي جواهر القران لأبي حامد الغزالي

 كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي

الخميس، 10 ديسمبر 2020

الكلم الطيب لابن تيمية ...

 
٢. هل الثواب على قدر المشقة وَقَالَ قَول بعض النَّاس الثَّوَاب على قدر الْمَشَقَّة لَيْسَ بِمُسْتَقِيم على الاطلاق كَمَا قد يسْتَدلّ بِهِ طوائق على أَنْوَاع من الرهبانيات والعبادات المبتعدة الَّتِي لم يشرعها الله وَرَسُوله من جنس تحريمات الْمُشْركين وَغَيرهم مَا أحل الله من الطَّيِّبَات وَمثل التعمق والتنطع الَّذِي ذمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ هلك المتنطعون وَقَالَ لَو مد لي الشَّهْر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم مثل الْجُوع أَو الْعَطش المفرط الَّذِي يضر الْعقل والجسم وَيمْنَع أَدَاء وَاجِبَات أَو مستحبات أَنْفَع مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحتفاء والتعري وَالْمَشْي الَّذِي يضر الانسان بِلَا فَائِدَة مثل حَدِيث أبي اسرائيل الَّذِي نذر أَن يَصُوم وَأَن وَأَن يقوم قَائِما وَلَا يجلس وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صَوْمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَهَذَا بَاب وَاسع وَأما الْأجر على قدر الطَّاعَة فقد تكون الطَّاعَة لله وَرَسُوله فِي عمل ميسر كَمَا يسر الله على أهل الاسلام الْكَلِمَتَيْنِ وهما أفضل الْأَعْمَال وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان الى الرَّحْمَن سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَو قيل الْأجر على قدر مَنْفَعَة الْعَمَل وَفَائِدَة هـ لَكَانَ صَحِيحا اتصاف الأول بِاعْتِبَار تعلقة بِالْأَمر وَالثَّانِي بِاعْتِبَار صفته فِي نَفسه وَالْعَمَل تكون منفعَته وَفَائِدَته تَارَة من جِهَة الْأَمر فَقَط وَتارَة من جِهَة صفته فِي نَفسه وَتارَة من كلا الْأَمريْنِ فبالاعتبار الأول يَنْقَسِم الى طَاعَة ومعصية وَبِالثَّانِي يَنْقَسِم الى حَسَنَة وسيئة وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة اسْم لَهُ من جِهَة الْأَمر والحسنة والسئة اسْم لَهُ من جِهَة نَفسه وان كَانَ كثير من النَّاس لَا يثبت الا الأول كَمَا تَقوله الأشعرية وَطَائِفَة من الْفُقَهَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَمن النَّاس من لَا يثبت الا الثَّانِي كَمَا تَقوله الْمُعْتَزلَة وَطَائِفَة من الْفُقَهَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَالصَّوَاب اثبات الاعتبارين كَمَا تدل عَلَيْهِ نُصُوص الأثمة وَكَلَام السّلف وَجُمْهُور الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم فَأَما كَونه مشقا فَلَيْسَ هُوَ سَببا لفضل الْعَمَل ورجحانه وَلَكِن قد يكون الْعَمَل الْفَاضِل مشقا فَضله لِمَعْنى غير مشقته وَالصَّبْر عَلَيْهِ مَعَ الْمَشَقَّة يزِيد ثَوَابه وأجره فيزاداد الثَّوَاب بالمشقة كَمَا أَن من كَانَ بعده عَن الْبَيْت فِي الْحَج وَالْعمْرَة أَكثر يكون أجره أعظم من الْقَرِيب كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة فِي الْعمرَة أجرك على قدر نصبك لِأَن الْأجر على قدر الْعَمَل فِي بعد الْمسَافَة وبالبعد يكثر النصب فيكثر الْأجر وَكَذَلِكَ الْجِهَاد وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة وَالَّذِي يقرأه ويتتعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ فكثيرا مَا يكثر الثَّوَاب على قدر الْمَشَقَّة والتعب لَا لِأَن التَّعَب وَالْمَشَقَّة مَقْصُود من الْعَمَل وَلَكِن لِأَن الْعَمَل مُسْتَلْزم للْمَشَقَّة والتعب هَذَا فِي شرعنا الَّذِي رفعت عَنَّا فِيهِ الآصار والأغلال وَلم يَجْعَل علينا فِيهِ حرج وَلَا أُرِيد بِنَا فِيهِ الْعسر وَأما فِي شرع من قبلنَا قد تكون الْمَشَقَّة مَطْلُوبَة مِنْهُم وَكثير من الْعباد يرى جنس الْمَشَقَّة والألم والتعب مَطْلُوبا مقربا الى الله لما فِيهِ من نفرة النَّفس عَن اللَّذَّات والركون الى الدُّنْيَا وَانْقِطَاع الْقلب عَن علاقَة الْجَسَد وَهَذَا من جنس زهد الصابئة والهند وَغَيرهم وَلِهَذَا تَجِد هَؤُلَاءِ مَعَ من شابههم من الرهبان يعالجون الْأَعْمَال الشاقة الشديده المتعبة من أَنْوَاع الْعِبَادَات والزهادات مَعَ أَنه لَا فَائِدَة فِيهَا وَلَا ثَمَرَة لَهَا وَلَا مَنْفَعَة الا أَن يكون شَيْئا يَسِيرا لَا يُقَاوم الْعَذَاب الْأَلِيم الَّذِي يجدونه وَنَظِير هَذَا الأَصْل الْفَاسِد مدح بعض الْجُهَّال بِأَن يَقُول فلَان مَا نكح وَلَا ذبح وَهَذَا مدح الرهبان الَّذين لَا ينْكحُونَ وَلَا يَذبُّونَ وَأما الحنفاء فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكني أَصوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء وآكل اللَّحْم فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني وَهَذِه الْأَشْيَاء من الدّين الْفَاسِد وَهُوَ مَذْمُوم كَمَا أَن الطُّمَأْنِينَة الى الْحَيَاة الدُّنْيَا مَذْمُوم أَقسَام النَّاس وَالنَّاس أَقسَام أَصْحَاب دنيا مَحْضَة وهم المعرضون عَن الْآخِرَة وَأَصْحَاب دين فَاسد وهم الْكفَّار والمبتعدة الَّذين يتدينون بِمَا لم يشرعه الله من أَنْوَاع الْعِبَادَات والزهادات وَالْقسم الثَّالِث وهم أهل الدّين الصَّحِيح أهل الاسلام المستمسكون بِالْكتاب وَالسّنة وَالْجَمَاعَة وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا الى لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ ٢



٣ الفصل الثاني تزكية النفس وكيف تزكو وَقَالَ شيخ الاسلام احْمَد بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي تَزْكِيَة النَّفس وَكَيف تزكو بترك الْمُحرمَات مَعَ فعل المأمورات قَالَ تَعَالَى قد أَفْلح من زكاها وَقد أَفْلح من تزكّى معنى التَّزْكِيَة قَالَ قَتَادَة وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا قد أَفْلح من زكى نَفسه بِطَاعَة الله وَصَالح الْأَعْمَال وَقَالَ الْفراء والزجاج قد أفلحت نفس زكاها الله وَقد خابت نفس دساها الله وَكَذَلِكَ ذكره الْوَالِبِي عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُنْقَطع وَلَيْسَ هُوَ مُرَاد من الْآيَة بل المُرَاد بهَا الأول قطعا لفظا وَمعنى أما اللَّفْظ فَقَوله من زكاها اسْم مَوْصُول وَلَا بُد فِيهِ من عَائِد على من فَإِذا قيل قد أَفْلح الشَّخْص الَّذِي زكاها كَانَ ضمير الشَّخْص فِي زكاها يعود على من هَذَا وَجه الْكَلَام الَّذِي لَا ريب فِي صِحَّته كَمَا يُقَال قد أَفْلح من اتَّقى الله وَقد أَفْلح من أطَاع ربه وَأما اذا كَانَ الْمَعْنى قد أَفْلح من زَكَّاهُ الله لم يبْق فِي الْجُمْلَة ضمير يعود على من فَإِن الضَّمِير على هَذَا يعود على الله وَلَيْسَ هُوَ من وَضمير الْمَفْعُول يعود على النَّفس الْمُتَقَدّمَة فَلَا يعود على من لَا ضمير الْفَاعِل وَلَا الْمَفْعُول فتخلو الصِّلَة من عَائِد وَهَذَا لَا يجوز نعم لَو قيل قد أَفْلح من زكى الله نَفسه أَو من زكاها الله لَهُ وَنَحْو ذَلِك صَحَّ الْكَلَام وخفاء هَذَا على من قَالَ بِهِ من النُّحَاة عجب وَهُوَ لم يقل قد أفلحت نفس زكاها فَإِنَّهُ هُنَا كَانَت تكون زكاها صفة لنَفس لَا صلَة بل قَالَ قد أَفْلح من زكاها فالجملة صلَة لمن لَا صفة لَهَا وَلَا قَالَ أَيْضا قد أفلحت النَّفس الَّتِي زكاها فَإِنَّهُ لَو قيل ذَلِك وَجل فِي زكاها ضمير يعود على اسْم الله صَحَّ فَإِذا تكلفوا وَقَالُوا التَّقْدِير قد أَفْلح من زكاها هِيَ النَّفس الَّتِي زكاها وَقَالُوا فِي زكى ضمير الْمَفْعُول يعود على من وَهِي تصلح للمذكر والمؤنث وَالْوَاحد وَالْعدَد فَالضَّمِير عَائِد على مَعْنَاهَا الْمُؤَنَّث وتأنيثها غير حَقِيقِيّ وَلِهَذَا قيل قد أَفْلح وَلم يقل قد أفلحت قيل لَهُم هَذَا مَعَ أَنه خُرُوج من اللُّغَة الفصيحة فَإِنَّمَا يَصح اذا دلّ الْكَلَام على ذَلِك فِي مثل وَمن على أَن المُرَاد لنا وَكَذَا قَوْله وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون اليك وَنَحْو ذَلِك وَأما هُنَا فلس فِي لفظ من وَمَا بعْدهَا مَا يدل على أَن المُرَاد بِهِ النَّفس المؤنثه فَلَا يجوز أَن يُرَاد بالْكلَام مَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على ارادته فَإِن مثل هَذَا مِمَّا يصان كَلَام الله عز وَجل عَنهُ فَلَو قدر احْتِمَال عود ضمير زكاها الى نفس والى من مَعَ أَن لفظ من لَا دَلِيل يُوجب عوده عَلَيْهِ لَكَانَ الى الْمُؤَنَّث أولى من اعادته الى مَا يحْتَمل التَّذْكِير والتأنيث وَهُوَ فِي التَّذْكِير أظهر لعدم دلَالَته على التَّأْنِيث فان الْكَلَام اذا احْتمل مَعْنيين وَجب حمله على أظهرهمَا وَمن تكلّف غير ذَلِك فقد خرج عَن كَلَام الْعَرَب الْمَعْرُوف وَالْقُرْآن منزه عَن ذَلِك والعدول عَمَّا يدل عَلَيْهِ ظَاهر الْكَلَام الى مَا لَا يدل عَلَيْهِ بِلَا دَلِيل لَا يجوز الْبَتَّةَ فَكيف اذا كَانَ نصا من جِهَة الْمَعْنى فقد أخبر الله أَنه يلهم التَّقْوَى والفجور ولبسط هَذَا مَوضِع آخر التَّزْكِيَة فِي الْكتاب السّنة وَالْمَقْصُود هُنَا أَمر النَّاس بتزكية أنفسهم والتحذير من تدسيتها كَقَوْلِه قد أَفْلح من تزكّى فَلَو قدر أَن الْمَعْنى قد أَفْلح من زكى الله نَفسه لم يكن فِيهِ أَمر لَهُم وَلَا يُنْهِي وَلَا ترغيب وَلَا ترهيب وَالْقُرْآن اذا أَمر أَو نهى لَا يذكر مُجَرّد الْقدر فَلَا يَقُول من جعله الله مُؤمنا بل يَقُول قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ قد أَفْلح من تزكّى اذ ذكر مُجَرّد الْقدر فِي هَذَا يُنَاقض الْمَقْصُود وَلَا يَلِيق هَذَا بأضعف النَّاس عقلا فَكيف بِكَلَام الله أَلا ترى أَنه فِي مقَام الْأَمر وَالنَّهْي وَالتَّرْغِيب والترهيب يذكر الْقدر عِنْد بَيَان نعمه عَلَيْهِم اما بِمَا لَيْسَ من أفعالهم وَإِمَّا بإنعامه بالايمان وَالْعَمَل الصَّالح ويذكره فِي سِيَاق قدرته ومشيئته وَأما فِي معرض الْأَمر فَلَا يذكرهُ الا عِنْد النعم كَقَوْلِه وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكى الْآيَة فَهَذَا مُنَاسِب وَقَوله قد أَفْلح من تزكّى وَهَذِه الأية من جنس الثَّانِيَة لَا الأولى وَالْمَقْصُود ذكر التَّزْكِيَة قَالَ تَعَالَى قل للْمُؤْمِنين يغضوا الْآيَة وَقَالَ فَارْجِعُوا هُوَ أزكى لكم وَقَالَ الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة وَقَالَ وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى وأصل الزَّكَاة الزِّيَادَة فِي الْخَيْر وَمِنْه يُقَال زكا الزَّرْع وزكا المَال اذا نما وَلنْ يَنْمُو الْخَيْر الا بترك الشَّرّ وَالزَّرْع لَا يزكو حَتَّى يزَال عَنهُ الدغل فَكَذَلِك النَّفس والأعمال لَا تزكو حَتَّى يزَال عَنْهَا مَا يناقضها وَلَا يكون الرجل متزكيا الا مَعَ ترك الشَّرّ فَإِنَّهُ يدنس النَّفس ويدسيها قَالَ الزّجاج دساها جعلهَا ذليلة حقيرة خسيسة وَقَالَ الْفراء دساها لِأَن الْبَخِيل يخفي نَفسه ومنزله وَمَاله قَالَ ابْن قُتَيْبَة أَي أخفاها بِالْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَة فالفاجر دس نَفسه أَي قمعها وخباها وصانع الْمَعْرُوف شهر نَفسه ورفعها وَكَانَت أجواد الْعَرَب تنزل الربى لتشهر أَنْفسهَا واللئام تنزل الأطارف والوديان فالبر وَالتَّقوى يبسط النَّفس ويشرح الصَّدْر بِحَيْثُ يجد الانسان فِي نَفسه اتساعا وبساطا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل ذَلِك فَإِنَّهُ لما اتَّسع بِالْبرِّ وَالتَّقوى والاحسان بَسطه الله وَشرح صَدره والفجور وَالْبخل يقمع النَّفس ويضعها ويهينها بِحَيْثُ يجد الْبَخِيل فِي نَفسه أَنه ضيق وَقد بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فِي الحَدِيث الصَّحِيح فَقَالَ مثل الْبَخِيل والمتصدق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جبتان من حَدِيد قد اضطرت أَيْدِيهِمَا الى تراقيهما فَجعل الْمُتَصَدّق كلما هم بِصَدقَة اتسعت وانبسطت عَنهُ حَتَّى تغشى أنامله وَتَعْفُو أَثَره وَجعل الْبَخِيل كلما هم بِصَدقَة قلصت وَأخذت كل حَلقَة بمكانها وَأَنا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بإصبعه فِي جيبه فَلَو رَأَيْتهَا يوسعها فَلَا تتسع أَخْرجَاهُ وإخفاء الْمنزل واظهاره تبعا لذَلِك قَالَ تَعَالَى يتَوَارَى من الْقَوْم من سوء مَا بشر بِهِ الْآيَة فَهَكَذَا النَّفس البخيلة الْفَاجِرَة قد دسها صَاحبهَا فِي بدنه بَعْضهَا فِي بعض وَلِهَذَا وَقت الْمَوْت تنْزع من بدنه كَمَا ينْزع السفود من الصُّوف المبتل وَالنَّفس الْبرة التقية النقية الَّتِي قد زكاها صَاحبهَا فارتفعت واتسعت ومجدت ونبلت فوقت الْمَوْت تخرج من الْبدن تسيل كالقطرة من فِي السقاء وكالشعرة من الْعَجِين قَالَ ابْن عَبَّاس ان للحسنة لنورا فِي الْقلب وضياء فِي الْوَجْه وَقُوَّة فِي الْبدن وسعة فِي الرزق ومحبة فِي قُلُوب الْخلق وان للسيئة لظلمة فِي الْقلب وسوادا فِي الْوَجْه وهونا فِي الْبدن وضيقا فِي الرزق وبغضة فِي قُلُوب الْخلق قَالَ تَعَالَى والبلد الطّيب الْآيَة وَهَذَا مثل الْبَخِيل والمنفق قَالَ فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره الْآيَة وَقَالَ الله ولي الَّذين آمنُوا الْآيَة وَقَالَ لَهُ فِي سِيَاق الرَّمْي بالفاحشة وذم من أحب اظهارها فِي الْمُؤمنِينَ والمتكلم بِمَا لَا يعلم وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكى مِنْكُم من أحد أبدا الْآيَة فَبين أَن الزَّكَاة انما تحصل بترك الْفَاحِشَة وَلِهَذَا قَالَ قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم الْآيَة وَذَلِكَ أَن ترك السَّيِّئَات هُوَ من أَعمال النَّفس فَإِنَّهَا تعلم أَن السَّيِّئَات مذمومة ومكروه فعلهَا ويجاهد نَفسه اذا دَعَتْهُ اليها ان كَانَ مُصدقا لكتاب ربه مُؤمنا بِمَا جَاءَ عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا التَّصْدِيق والايمان وَالْكَرَاهَة وَجِهَاد النَّفس أَعمال تعملها النَّفس المزكاة فتزكو بذلك أَيْضا بِخِلَاف مَا اذا عملت السَّيِّئَات فانها تتدنس وتدنس وتنقمع كالزرع اذا نبت مِنْهُ الدغل وَالثَّوَاب انما يكون على عمل مَوْجُود وَكَذَلِكَ الْعقَاب فَأَما الْعَدَم الْمَحْض فَلَا ثَوَاب فِيهِ وَلَا عِقَاب لَكِن فِيهِ عدم الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالله سُبْحَانَهُ أَمر بِالْخَيرِ وَنهى عَن الشَّرّ وَاتفقَ النَّاس على أَن الْمَطْلُوب بِالْأَمر فعل مَوْجُود وَاخْتلفُوا فِي النَّهْي هَل الْمَطْلُوب أَمر وجودي أم عدمي فَقيل وجودي وَهُوَ التّرْك وَهَذَا قَول الْأَكْثَر وَقيل الْمَطْلُوب عدم الشَّرّ وَهُوَ أَن لَا يَفْعَله وَالتَّحْقِيق أَن الْمُؤمن اذا نهى عَن النكر فَلَا بُد أَن لَا يقربهُ ويعزم على تَركه وَيكرهُ فعله وَهَذَا أَمر وجودي بِلَا ريب فَلَا يتَصَوَّر أَن الْمُؤمن الَّذِي يعلم أَنه وجودي لَكِن قد لَا يكون مرِيدا لَهُ كَمَا يكره أكل الْميتَة طبعا وَمَعَ ذَلِك فَلَا بُد لَهُ من اعْتِقَاد التَّحْرِيم والعزم على تَركه لطاعة الشَّارِع وَهَذَا قدر زَائِد على كَرَاهَة الطَّبْع وَهُوَ أَمر وجودي يُثَاب عَلَيْهِ وَلَكِن لَيْسَ كثواب من كف نَفسه وجاهدها عَن طلب الْمحرم وَمن كَانَت كَرَاهَته للمحرمات كَرَاهَة ايمان وَقد غمر ايمانه حكم طبعه فَهَذَا أَعلَى الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَهَذَا صَاحب النَّفس المطمئنة وَهُوَ أرفع من صَاحب اللوامة الَّتِي تفعل الذَّنب وتلوم صَاحبهَا عَلَيْهِ وتتلوم وتتردد هَل تَفْعَلهُ أم لَا وَأما من لم يخْطر بِبَالِهِ أَن الله حرمه وَلَا هُوَ مُرِيد لَهُ بل لم يَفْعَله فَهَذَا لَا يُعَاقب وَلَا يُثَاب اذ لم يحصل مِنْهُ أَمر وجودي يُثَاب عَلَيْهِ أَو يُعَاقب فَمن قَالَ الْمَطْلُوب أَن لَا يفعل ان أَرَادَ أَن هَذَا الْمَطْلُوب يَكْفِي فِي عدم الْعقَاب فقد صدق وَإِن أَرَادَ أَنه يُثَاب على هَذَا الْعَدَم فَلَيْسَ كَذَلِك وَالْكَافِر اذا لم يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله فَلَا بُد لنَفسِهِ من أَعمال يشْتَغل بهَا عَن الايمان وَترك الْأَعْمَال كفر يُعَاقب عَلَيْهَا وَلِهَذَا لما ذكر الله عُقُوبَة الْكفَّار فِي النَّار ذكر أمروا وجودية وَتلك تددس تفس النَّفس وَلِهَذَا كَانَ التَّوْحِيد والايمان أعظم مَا تزكو بِهِ النَّفس وَكَانَ الشّرك أعظم مَا يدسيها وتتزكى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وَالصَّدَََقَة هَذَا كُله مِمَّا ذكره السّلف قَالُوا فِي قد أَفْلح من تزكّى تطهر من الشّرك وَمن الْمعْصِيَة بِالتَّوْبَةِ وَعَن أبي سعيد وَعَطَاء وَقَتَادَة صَدَقَة الْفطر وَلم يُرِيدُوا أَن الْآيَة لم تتَنَاوَل الا هِيَ بل مقصودهم أَن من أعْطى صَدَقَة الْفطر وَصلى صَلَاة الْعِيد فقد تناولته وَمَا بعْدهَا وَلِهَذَا كَانَ يزِيد بن حبيب كلما خرج الى الصَّلَاة خرج بِصَدقَة وَيتَصَدَّق بهَا قبل الصَّلَاة وَلَو لم يجد الا بصلا قَالَ الْحسن قد أَفْلح من تزكّى من كَانَ عمله زاكيا وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص زَكَاة الْأُمُور كلهَا وَقَالَ الزّجاج تزكّى بِطَاعَة الله عز وَجل وَمعنى الزاكي النامي الْكثير وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْله وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة قَالَ ابْن عَبَّاس لَا يشْهدُونَ أَن لَا اله الا الله وَقَالَ مُجَاهِد لَا يزكون أَعْمَالهم أَي لَيست زاكية وَقيل لَا يطهرونها بالاخلاص كَأَنَّهُ أَرَادَ وَالله أعلم أهل الرِّيَاء فَإِنَّهُ شرك وَعَن الْحسن لَا يُؤمنُونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا يقرونَ بهَا وَعَن الضَّحَّاك لَا يتصدقون وَلَا يُنْفقُونَ فِي الطَّاعَة وَعَن ابْن السَّائِب لَا يُعْطون زَكَاة من أَمْوَالهم قَالَ كَانُوا يحجون ويعتمرون وَلَا يزكون وَالتَّحْقِيق أَن الْآيَة تتَنَاوَل كل مَا يتزكى بِهِ الْإِنْسَان من التَّوْحِيد والأعمال الصَّالِحَة كَقَوْلِه هَل لَك الى أَن تزكي وَقَوله قد أَفْلح من تزكّى وَالصَّدَََقَة الْمَفْرُوضَة لم تكن فرضت عِنْد نُزُولهَا فَإِن قيل يُؤْتى فعل مُتَعَدٍّ قيل هَذَا كَقَوْلِه ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لأتوها وَتقدم قبلهَا أَن الرَّسُول دعاهم وَهُوَ طلب مِنْهُ فَكَانَ هَذَا اللَّفْظ متضمنا قيام الْحجَّة عَلَيْهِم بالرسل وَالرسل إِنَّمَا يَدعُونَهُمْ لما تزكو بِهِ أنفسهم وَمِمَّا يَلِيق أَن الزَّكَاة تَسْتَلْزِم الطَّهَارَة لِأَن مَعْنَاهَا معنى الطَّهَارَة قَوْله خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ من الشَّرّ وتزكيهم بِالْخَيرِ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ طهرني بِالْمَاءِ وَالْبرد والثلج كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الاستفتاح وَفِي الِاعْتِدَال من الرُّكُوع وَالْغسْل فَهَذِهِ الْأُمُور توجب تبريد المغسول بهَا وَالْبرد يُعْطي قُوَّة وصلابة وَمَا يسر يُوصف بالبرد وقرة الْعين وَلِهَذَا كَانَ دمع السرُور بَارِدًا ودمع الْحزن حارا لِأَن مَا يسوء النَّفس يُوجب حزنها وغمها وَمَا يسرها يُوجب فرحها وسرورها وَذَلِكَ مِمَّا يبرد الْبَاطِن فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغسل الذُّنُوب على وَجه يبرد الْقُلُوب أعظم برد يكون بِمَا فِيهِ من الْفَرح وَالسُّرُور الَّذِي أَزَال عَنهُ مَا يسوء النَّفس من الذُّنُوب وَقَوله بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد تَمْثِيل بِمَا فِيهِ من هَذَا الْجِنْس والا فَنَفْس الذُّنُوب لَا تغسل بذلك كَمَا يُقَال أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك وَلما قضى أَبُو قَتَادَة دين الْمَدِين قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن بردت جلدته وَيُقَال برد الْيَقِين وحرارة الشَّك وَيُقَال هَذَا الْأَمر يثلج لَهُ الصَّدْر اذا كَانَ حَقًا يعرفهُ الْقلب ويفرح بِهِ حَتَّى يصير فِي مثل برد الثَّلج وَمرض النَّفس اما شُبْهَة واما شَهْوَة أَو غضب وَالثَّلَاثَة توجب السخونة وَيُقَال لمن نَالَ مَطْلُوبه برد قلبه فان الطَّالِب فِيهِ حرارة الطّلب وَقَوله خُذ من أَمْوَالهم دَلِيل على أَن عمل الْحَسَنَات يطهر النَّفس ويزكيها من الذُّنُوب السالفة فَإِنَّهُ قَالَه بعد قَوْله وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا الْآيَة فالتوبة وَالْعَمَل الصَّالح يحصل بهما التَّطْهِير والتزكية وَلِهَذَا قَالَ فِي سِيَاق قَوْله قل للْمُؤْمِنين يغضوا الْآيَات وتوبوا الى الله الْآيَة فَأَمرهمْ جيمعا بِالتَّوْبَةِ فِي سِيَاق مَا ذكره لِأَنَّهُ لَا يسلم أحد من هَذَا الْجِنْس كَمَا فِي الصَّحِيح ان الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا الحَدِيث وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيح أَن قَوْله ان الْحَسَنَات يذهب السَّيِّئَات نزلت بِسَبَب رجل نَالَ من امْرَأَة كل شَيْء الا الْجِمَاع ثمَّ نَدم فَنزلت وَيحْتَاج الْمُسلم فِي ذَلِك الى أَن يخَاف الله وَينْهى النَّفس عَن الْهوى وَنَفس الْهوى والشهوة لَا يُعَاقب عَلَيْهِ بل على اتِّبَاعه وَالْعَمَل بِهِ فَإِذا كَانَت النَّفس تهوى وَهُوَ يَنْهَاهَا كَانَ نَهْيه عبَادَة لله وَعَملا صَالحا وَثَبت عَنهُ أَنه قَالَ الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه فِي ذَات الله فَيُؤْمَر بجهادها كَمَا يُؤمر بجهاد من يَأْمر بِالْمَعَاصِي وَيَدْعُو اليها وَهُوَ الى جِهَاد نَفسه أحْوج فَإِن هَذَا فرض عين وَذَاكَ فرض كِفَايَة وَالصَّبْر فِي هَذَا من أفضل الْأَعْمَال فَإِن هَذَا الْجِهَاد حَقِيقَة ذَلِك الْجِهَاد فَمن صَبر عَلَيْهِ صَبر على ذَلِك الْجِهَاد كَمَا قَالَ وَالْمُهَاجِر من هجر السَّيِّئَات ثمَّ هَذَا لَا يكون مَحْمُودًا فِيهِ الا اذا غلب بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ من يقتل أَو يغلب فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الشَّديد بالصرعة الخ وَذَلِكَ لِأَن الله أَمر الانسان أَن ينْهَى النَّفس عَن الْهوى وَأَن يخَاف مقَام ربه فَحصل لَهُ من الايمان مَا يُعينهُ على الْجِهَاد فَإِذا غلب كَانَ لضعف ايمانه فِي كَون مفرطا بترك الْمَأْمُور بِخِلَاف الْعَدو الْكفَّار فَإِنَّهُ قد يكون بدنه أقوى فالذنوب انما تقع اذا كَانَت النَّفس غير ممتثلة لما أمرت بِهِ وَمَعَ امْتِثَال الْمَأْمُور لَا تفعل الْمَحْظُور فَإِنَّهُمَا ضدان قَالَ تَعَالَى كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء الْآيَة وَقَالَ ان عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان فَعبَّاد الله المخلصون لَا يغويهم الشَّيْطَان والغي خلاف الرشد وَهُوَ اتِّبَاع الْهوى فَإِن ذَلِك يصرف عَنهُ السوء والفحشاء خشيَة ومحبة وَالْعِبَادَة لَهُ وَحده وَهَذَا يمْنَع من السَّيِّئَات فَإِذا كَانَ تَائِبًا فَإِن كَانَ نَاقِصا فَوَقَعت السَّيِّئَات من صَاحبه كَانَ ماحيا لَهَا بعد الْوُقُوع فَهُوَ كالترياق الَّذِي يدْفع أثر السم وَيَرْفَعهُ بعد حُصُوله وكالغذاء من الطَّعَام وَالشرَاب وكالاستمتاع بالحلال الَّذِي يمْنَع النَّفس على طلب الْحَرَام فَإِذا حصل لَهُ طلب ازالته وكالعلم الَّذِي يمْنَع من الشَّك وَيَرْفَعهُ بعد وُقُوعه وكالطلب الَّذِي يحفظ الصِّحَّة ويدع الْمَرَض وَكَذَلِكَ مَا فِي الْقلب من الايمان يحفظ بأشباهه مِمَّا يقوم بِهِ واذا حصل مِنْهُ مرض من الشُّبُهَات والشهوات أزيل بِهَذِهِ وَلَا يحصل الْمَرَض الا لنَقص أَسبَاب الصِّحَّة كَذَلِك الْقلب لَا يمرض الا لنَقص ايمانه وَكَذَلِكَ الايمان والكفران متضادان فَكل ضدين فأحدهما يمْنَع الآخر تَارَة وَيَرْفَعهُ أُخْرَى كالسواد وَالْبَيَاض حصل مَوْضِعه وَيَرْفَعهُ اذا كَانَ حَاصِلا كَذَلِك الْحَسَنَات والسيئات والاحباط والمعتزلة أَن الْكَبِيرَة تحبط الْحَسَنَات حَتَّى الايمان وان من مَاتَ عَلَيْهَا لم يكن الجبائي وَابْنه بالموازنة لَكِن قَالُوا من رجحت سيئاته خلد فِي النَّار والموازنة بِلَا تخليد قَول الاحباط مَا أجمع عَلَيْهِ وَهُوَ حبوط الْحَسَنَات كلهَا بالْكفْر كَمَا قَالَ وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه الْآيَة وَقَوله وَمن يكفر بالايمان فقد حَبط عمله الْآيَة وَقَالَ وَلَو أشركوا الحبط عَنْهُم مَا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك الْآيَة وَمَا ادَّعَتْهُ الْمُعْتَزلَة مُخَالف لأقوال السّلف فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر حد الزَّانِي وَغَيره وَلم يجعلهم كفَّارًا حابطي الْأَعْمَال وَلَا أَمر بِقَتْلِهِم كَمَا أَمر بقتل الْمُرْتَدين والمنافقون لم يَكُونُوا يظهرون كفرهم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالصَّلَاةِ على الغال وعَلى قَاتل نَفسه وَلَو كَانُوا كفَّارًا ومنافقين لم تجز الصَّلَاة عَلَيْهِ فَعلم أَنهم لم يحبط ايمانهم كُله وَقَالَ عَمَّن شرب الْخمر لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله وَذَلِكَ الْحبّ من أعظم شعب الايمان فَعلم أَن ادمانه لَا يذهب الشّعب كلهَا وَثَبت من وُجُوه كَثِيرَة يخرج من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من ايمان وَلَو حَبط لم يكن فِي قُلُوبهم شَيْء مِنْهُ وَقَالَ تَعَالَى ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الْآيَة فَجعل من المصطفين فَإِذا كَانَت السَّيِّئَات لَا تحبط جَمِيع الْحَسَنَات فَهَل تبط بقدرهاوهل يحبط بعض الْحَسَنَات بذنب دون الْكفْر فِيهِ قَولَانِ للمنتسبين الى السّنة مِنْهُم من يُنكره وَمِنْهُم من يُثبتهُ كَمَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص مثل قَوْله لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى الْآيَة دلّ على أَن هَذِه السَّيئَة تبطل الصَّدَقَة وَضرب مثله بالمرائي وَقَالَت عَائِشَة أبلغي زيدا أَن جهاده بَطل الحَدِيث وَأما قَوْله أَن تحبط أَعمالكُم وَحَدِيث صَلَاة الْعَصْر فَفِي ذَلِك نزاع وَقَالَ تَعَالَى وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم قَالَ الْحسن بِالْمَعَاصِي والكبائر وَعَن عَطاء بالشرك والنفاق وَعَن ابْن السَّائِب بالرياء والسمعة وَعَن مقَاتل بالمن وَذَلِكَ أَن قوما منوا باسلامهم فَمَا ذكر عَن الْحسن يدل على أَن الْمعاصِي والكبائر تحبط الْأَعْمَال فَإِن قيل لم يرد الا ابطالها بالْكفْر قيل ذَلِك مَنْهِيّ عَنهُ فِي نَفسه وَمُوجب للخلود الدَّائِم فالنهي عَنهُ لَا يعبر عَنهُ بِهَذَا بل على وَجه التَّغْلِيظ كَقَوْلِه وَمن يرْتَد مِنْكُم عَن دينه وَنَحْوهَا وَالله سُبْحَانَهُ فِي هَذِه وَفِي آيَة الْمَنّ سَمَّاهَا ابطالا وَلم يسمه احباطا وَلِهَذَا ذكر بعْدهَا الْكفْر بقوله ان الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله ثمَّ مَاتُوا وهم كفار الْآيَة فان قيل المُرَاد اذا دَخَلْتُم فِيهَا فأتموها وَبهَا احْتج من قَالَ يلْزم التَّطَوُّع بِالشُّرُوعِ فِيهِ قيل لَو قدر أَن الْآيَة تدل على أَنه مَنْهِيّ عَن ابطال بعبض الْعَمَل فابطاله كُله أولى بِدُخُولِهِ فِيهَا فَكيف وَذَلِكَ قبل فَرَاغه لَا يُسمى صَلَاة وَلَا صوما ثمَّ يُقَال الابطال يُوجد قبل الْفَرَاغ أَو بعده وَمَا ذكره وَأمر بالاتمام والابطال هُوَ ابطال الثَّوَاب وَلَا نسلم أَن من لم يتم الْعِبَادَة يبطل جَمِيع ثَوَابه بل يُقَال انه يُثَاب على مَا فعل من ذَلِك وَفِي الصَّحِيح حَدِيث الْمُفلس الَّذِي يَأْتِي بحسنات أَمْثَال الْجبَال ٣


٤ الفصل الثالث حكم السياحة مع قطيعة الرحم سُئِلَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى عَن رجل تفقه وَعلم مَا أَمر الله بِهِ وَمَا نهى عَنهُ ثمَّ تزهد وَترك الدُّنْيَا وَالْمَال والأهل وَالْأَوْلَاد خَائفًا من كسب الْحَرَام والشبهات وَبعث الْآخِرَة وَطلب رضَا الله وَرَسُوله وساح فِي أَرض الله والبلدان فَهَل يجوز لَهُ أَن يقطع الرَّحِم ويسيح كَمَا ذكر أم لَا فَأجَاب الْحَمد لله وَحده الزّهْد الْمَشْرُوع الزّهْد الْمَشْرُوع هُوَ ترك كل شَيْء لَا ينفع فِي الدَّار الْآخِرَة وثقة الْقلب بِمَا عِنْد الله كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي فِي التِّرْمِذِيّ لَيْسَ الزّهْد فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيم الْحَلَال وَلَا اضاعة المَال وَلَكِن الزّهْد أَن تكون بِمَا فِي يَد الله أوثق بِمَا فِي يدك وَأَن تكون فِي ثَوَاب الْمُصِيبَة اذا أصبت أَرغب مِنْك فِيهَا لَو أَنَّهَا بقيت لَك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول لكيلا لَا تأسوا على مَا فتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم فَهَذَا صفة الْقلب وَأما فِي الظَّاهِر فَترك الفضول الَّتِي لَا يستعان بهَا على طَاعَة الله من مطعم وملبس وَمَال وَغير ذَلِك كَمَا قَالَ الامام أَحْمد انما هُوَ طَعَام دون طَعَام ولباس دون لِبَاس وصبر أَيَّام قَلَائِل زهد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجماع ذَلِك خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح أَنه كَانَ يَقُول خير كَلَام الله وَخير الْهَدْي مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل بِدعَة ضَلَالَة وَكَانَ عَادَته فِي الْمطعم أَنه لَا يرد مَوْجُودا وَلَا يتَكَلَّف مفقودا ويلبس من اللبَاس مَا تيَسّر من قطن وصوف وَغير ذَلِك وَكَانَ الْقطن أحب اليه وَكَانَ اذا بلغه أَن بعض أَصْحَابه يُرِيد أَن يعتدي فيزيد فِي الزّهْد أَو الْعِبَادَة على الْمَشْرُوع وَيَقُول أَيّنَا مثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغْضب لذَلِك وَيَقُول وَالله اني لأخشاكم لله وَأعْلمكُمْ بحدود الله تَعَالَى وبلغه أَن بعض أَصْحَابه قَالَ أما أَنا فأصوم فَلَا أفطر وَقَالَ الآخر أما أَنا فأقوم فَلَا أَنَام وَقَالَ آخر أما أَنا فَلَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ الآخر أما أَنا فَلَا آكل اللَّحْم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكني أَصوم وَأفْطر وأقوم وأنام وأتزوج النِّسَاء وآكل اللَّحْم فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني فَأَما الاعراض عَن الْأَهْل وَالْأَوْلَاد فَلَيْسَ مِمَّا يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَلَا هُوَ من دين الْأَنْبِيَاء بل قد قَالَ تَعَالَى وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية والانفاق على الْعِيَال وَالْكَسْب لَهُم يكون وَاجِبا تَارَة ومستحبا أُخْرَى فَكيف يكون ترك الْوَاجِب أَو الْمُسْتَحبّ من الدّين أَنْوَاع السياحة وأحكامها وَكَذَلِكَ السياحة فِي الْبِلَاد لغير مَقْصُود مَشْرُوع كَمَا يعانيه بعض النساك أَمر منهى عَنهُ قَالَ الامام أَحْمد لَيست السياحة من الاسلام فِي شَيْء وَلَا من فعل النَّبِيين وَلَا الصَّالِحين وَأما السياحة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن من قَوْله التائبون العابدون الحامدون السائحون وَمن قَوْله مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدت سائحات ثيبات وأبكارا فَلَيْسَ المُرَاد بهَا هَذِه السياحة المبتدعة فان الله قد وصف النِّسَاء اللآتي يتزوجهن رَسُوله بذلك وَالْمَرْأَة الْمُزَوجَة لَا يشرع لَهَا أَن تُسَافِر فِي البراري سائحة بل المُرَاد بالسياحة شَيْئَانِ أَحدهمَا الصّيام كَمَا روى عَمْرو بن دِينَار عَن يحيى بن جعدة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا أُمُور مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس فَمن ترك الشُّبُهَات فقد اسْتَبْرَأَ لعرضه وَدينه وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه أَلا وَإِن لكل ملك حمى أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه أَلا وان فِي الْجَسَد مضعة اذا صلحت صلح الْجَسَد كُله واذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب مُتَّفق عَلَيْهِ لَكِن اذا ترك الانسان الْحَرَام أَو الشُّبْهَة بترك وَاجِب أَو مُسْتَحبّ وَكَانَ الاثم أَو النَّقْص الَّذِي عَلَيْهِ فِي التّرْك أعظم من الاثم الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْفِعْل لم يشرع ذَلِك كَمَا ذكر أَبُو طَالب الْمَكِّيّ وَأَبُو حَامِد الْغَزالِيّ عَن الامام أَحْمد بن حَنْبَل أَنه سُئِلَ عَمَّن ترك مَا لَا شُبْهَة فِيهِ وَعَلِيهِ دين فَسَأَلَهُ وَلَده أترك هَذَا المَال الَّذِي فِيهِ شُبْهَة فَلَا أقضيه فَقَالَ لَهُ اتدع ٤

٥.
 الفصل الرابع معنى حق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين
 سُئِلَ شيخ الاسلام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله عَن قَوْله تَعَالَى حق الْيَقِين وَعين الْيَقِين وَعلم الْيَقِين فَمَا معنى كل مقَام مِنْهَا وَأي مقَال أَعلَى فَأجَاب الْحَمد لله رب الْعَالمين للنَّاس فِي هَذِه الْأَسْمَاء مقالات مَعْرُوفَة مِنْهَا أَن يُقَال علم الْيَقِين مَا علمه بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَر وَالْقِيَاس وَالنَّظَر وَعين الْيَقِين مَا شَاهده وعاينه بالبصر وَحقّ الْيَقِين مَا بَاشرهُ ووجده وذاقه وعرفه بِالِاعْتِبَارِ فَالْأولى مثل من أخبر أَن هُنَاكَ عسلا وَصدق الْمخبر أَو رأى آثَار الْعَسَل فاستدل على وجوده وَالثَّانِي مثل من رأى الْعَسَل وَشَاهده وعاينه وَهَذَا أَعلَى كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الْمخبر كالمعاين وَالثَّالِث مثل من ذاق الْعَسَل وَوجد طعمه وحلاوته وَمَعْلُوم أَن هَذَا أَعلَى مِمَّا قبله وَلِهَذَا يُشِير أهل الْمعرفَة الى مَا عِنْدهم من الذوب والوجد كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الايمان من كَانَ الله وَرَسُوله أحب اليه مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ الا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع الى الْكفْر بعد اذ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاق طعم الايمان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وبالاسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا فَالنَّاس فِيمَا يجده أهل الايمان ويذوقونه من حلاوة الايمان وطعمه على ثَلَاث دَرَجَات دَرَجَات أهل الايمان الأولى من علم ذَلِك مثل من يُخبرهُ بِهِ شيخ لَهُ يصدقهُ أَو يبلغهُ مَا أخبر بِهِ العارفون عَن أنفسهم أَو يجد من آثَار أَحْوَالهم مَا يدل على ذَلِك وَالثَّانيَِة من يُشَاهد ذَلِك وعاينه مثل أَن يعاين من أَحْوَال أهل الْمعرفَة والصدق وَالْيَقِين مَا يعرف بِهِ مواجيدهم وأذواقهم وان كَانَ هَذَا فِي الْحَقِيقَة لم يُشَاهد مَا ذاقوه ووجدوه وَلَكِن شَاهد مَا دلّ عَلَيْهِ لَكِن هُوَ أبلغ من الْمخبر والمستدل بآثارهم وَالثَّالِثَة أَن يحصل لَهُ من الذَّوْق وَالْوَجْه فِي نَفسه مَا كَانَ سَمعه كَمَا قَالَ بعض الشُّيُوخ لقد كنت فِي حَال أَقُول فِيهَا ان كَانَ أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة فِي مثل هَذَا الْحَال انهم لفي عَيْش طيب وَقَالَ آخر انه ليمر على الْقلب أَوْقَات يرقص مِنْهَا طَربا وَقَالَ الآخر لأهل اللَّيْل فِي ليلهم ألذ من أهل اللَّهْو فِي لهوهم دَرَجَات النَّاس فِي الايمان بِالآخِرَة وَالنَّاس فِيمَا أخبروا بِهِ من أَمر الْآخِرَة على ثَلَاث دَرَجَات احداها الْعلم بذلك لما أَخْبَرتهم الرُّسُل وَمَا قَامَ من الْأَدِلَّة على وجود ذَلِك الثَّانِيَة اذا عاينوا مَا وعدوا بِهِ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْجنَّة وَالنَّار وَالثَّالِثَة اذا باشروا ذَلِك فَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وذاقوا مَا كَانُوا يوعدون وَدخل أهل النَّار النَّار وذاقوا مَا كَانُوا يوعدون فَالنَّاس فِيمَا يُوجد فِي الْقُلُوب وَفِيمَا يُوجد خَارج الْقُلُوب على هَذِه الدَّرَجَات الثَّلَاث دَرَجَات النَّاس فِيمَا يخبروا بن من أُمُور الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ فِي أُمُور الدُّنْيَا فان من أخبر بالعشق أَو النِّكَاح وَلم يره وَلم يذقه كَانَ لَهُ علم بِهِ فان شَاهده وَلم يذقه كَانَ لَهُ مُعَاينَة لَهُ فَإِن ذاقه بِنَفسِهِ كَانَ لَهُ ذوق وخبرة بِهِ وَمن لم يذقْ الشَّيْء لم يعرف حَقِيقَته فان الْعبارَة انما تفِيد التَّمْثِيل والتقريب وَأما معرفَة الْحَقِيقَة فَلَا تحصل بِمُجَرَّد الْعبارَة الا لمن يكون قد ذاق ذَلِك الشَّيْء الْمعبر عَنهُ وعرفه وَخَبره وَلِهَذَا يسمون أهل الْمعرفَة لأَنهم عرفُوا بالخبرة والذوق مَا يُعلمهُ غَيرهم بالْخبر وَالنَّظَر وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن هِرقل ملك الرّوم سَأَلَ أَبَا سُفْيَان بن حَرْب فِيمَا سَأَلَهُ عَنهُ من أُمُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَهَل يرجع أحد مِنْهُم دينه سخطَة لَهُ بعد أَن يدْخل فِيهِ قَالَ لَا قَالَ وَكَذَلِكَ الايمان اذا خالطت بشاشته الْقلب لَا يسخطه أحد الْقلب بَين زِيَادَة الايمان وَزِيَادَة الْمحبَّة فالايمان اذا بَاشر الْقلب وخالطته بشاشته لَا يسخطه الْقلب بل يُحِبهُ ويرضاه فَإِن لَهُ من الْحَلَاوَة فِي الْقلب واللذة وَالسُّرُور والبهجة مَا لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ لمن لم يذقه وَالنَّاس متفاوتون فِي ذوقه والفرح وَالسُّرُور الَّذِي فِي الْقلب لَهُ من البشاشة مَا هُوَ بِحَسبِهِ واذا خالطت الْقلب لم يسخطه قَالَ تَعَالَى قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون بِمَا أنزل اليك وَمن الْأَحْزَاب من يُنكر بعضه وَقَالَ تَعَالَى وَإِذا مَا أنزلت سُورَة فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته هَذِه ايمانا فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنهم يستبشرون بِمَا أنزل من الْقُرْآن والاستبشار هُوَ الْفَرح والسرو وَذَلِكَ لما يجدونه فِي قُلُوبهم من الْحَلَاوَة واللذه والبهجة بِمَا أنزل الله واللذة أبدا تتبع الْمحبَّة فَمن أحب شَيْئا ونال مَا أحبه وجد اللَّذَّة بِهِ فالذوق هُوَ ادراك المحبوب اللَّذَّة الظَّاهِرَة كَالْأَكْلِ مثلا حَال الانسان فِيهَا أَنه يَشْتَهِي الطَّعَام وَيُحِبهُ ثمَّ يذوقه ويتناوله فيجد حِينَئِذٍ لذته وحلاوته وَكَذَلِكَ النِّكَاح وأمثال ذَلِك وَلَيْسَ لِلْخلقِ محبَّة أعظم وَلَا أكمل وَلَا أتم من محبَّة الْمُؤمنِينَ لرَبهم وَلَيْسَ فِي الْوُجُود مَا يسْتَحق أَن يحب لذاته من كل وَجه الا الله تَعَالَى وكل مَا يحب سواهُ فمحبته تبع لحبه فَإِن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله وَيتبع لأجل الله كَمَا قَالَ تَعَالَى قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَفِي الحَدِيث أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي وَقَالَ تَعَالَى قل ان كَانَ آباؤكم الى قَوْله أحب اليكم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب اليه من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الايمان وَقَالَ تَعَالَى وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله فَالَّذِينَ آمنُوا أَشد حبا لله من كل محب لمحبوبه وَقد بسطنا الْكَلَام على هَذَا فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وَالْمَقْصُود هُنَا أَن أهل الايمان يَجدونَ بِسَبَب محبتهم لله وَلِرَسُولِهِ من حلاوة الايمان مَا يُنَاسب هَذِه الْمحبَّة وَلِهَذَا علق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يجدونه بالمحبة فَقَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الايمان أَن يكون الله وَرَسُوله أحب اليه مِمَّا سواهُمَا وَأَن يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ الا لله وَأَن يكره أَن يعود فِي الْكفْر كَمَا يكره أَن يقذف فِي النَّار وَمن ذَلِك مَا يجدونه من ثَمَرَة التَّوْحِيد والاخلاص والتوكل وَالدُّعَاء لله وَحده فَإِن النَّاس فِي هَذَا الْبَاب على ثَلَاث دَرَجَات دَرَجَات النَّاس فيا يجدونه من ثَمَرَة التَّوْحِيد مِنْهُم من علم ذَلِك سَمَاعا واستدلالا وَمِنْهُم من شَاهد وعاين مَا يحصل لَهُم وَمِنْهُم من وجد حَقِيقَة الاخلاص والتوكل على الله والالتجاء اليه والاستعانة بِهِ وَقطع التَّعَلُّق بِمَا سواهُ وجرب من نَفسه أَنه اذا تعلق بالمخلوقين ورجاهم وطمع فيهم أَن يجلبوا لَهُ مَنْفَعَة أَو يدفعوا عَنهُ مضرَّة فَإِنَّهُ يخذل من جهتهم وَلَا يحصل مَقْصُوده بل قد يبْذل لَهُم من الْخدمَة وَالْأَمْوَال وَغير ذَلِك مَا يَرْجُو أَن ينفعوه وَقت حَاجته اليهم فَلَا ينفعونه اما لعجزهم واما لانصارف قُلُوبهم عَنهُ واذا توجه الى الله بِصدق الافتقار اليه واستغاث بِهِ مخلصا لَهُ الدّين أجَاب دعاءه وأزال ضَرَره وَفتح لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة فَمثل هَذَا قد ذاق من حَقِيقَة التَّوَكُّل وَالدُّعَاء لله مَا لم يدق غَيره وَكَذَلِكَ من ذاق طعم إخلاص لله وارادة وَجهه دون مَا سواهُ يجد من الْأَحْوَال والنتائج والفوائد مَا لَا يجده من لم يكن كَذَلِك بل من اتبع هَوَاهُ فِي مثل طلب الرِّئَاسَة والعلو وتعلقه بالصور الجميلة أَو جمعه لِلْمَالِ يجد فِي أثْنَاء ذَلِك من الهموم والغموم وَالْأَحْزَان والآلام وضيف الصَّدْر مَا لَا يعبر عَنهُ وَرُبمَا لَا يطاوعه قلبه على ترك الْهوى وَلَا يحصل لَهُ مَا يسره بل هُوَ فِي خوف وحزن دَائِما ان كَانَ طَالبا لما يهواه فَهُوَ قبل ادراكه حَزِين متألم حَيْثُ لم يحصل فَإِذا أدْركهُ كَانَ خَائفًا من زَوَاله وفراقه وأولياء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ فَإِذا ذاق هَذَا أَو غَيره حلاوة الاخلاص لله وَالْعِبَادَة وحلاوة ذكره ومناجاته وَفهم كِتَابه وَأسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن بِحَيْثُ يكون عمله صَالحا وَيكون لوجه الله خَالِصا فَإِنَّهُ يجد من السرُور واللذة والفرح مَا هُوَ أعظم مِمَّا يجده الدَّاعِي المتَوَكل الَّذِي نَالَ بدعائه وتوكله مَا يَنْفَعهُ من الدُّنْيَا أَو انْدفع عَنهُ مَا يضرّهُ فَإِن حلاوة ذَلِك هِيَ بِحَسب مَا حصل لَهُ من الْمَنْفَعَة أَو انْدفع عَنهُ من الْمضرَّة وَلَا أَنْفَع للقلب من التَّوْحِيد واخلاص الدّين لله وَلَا أضرّ عَلَيْهِ من الاشراك فَإِذا وجد حَقِيقَة الاخلاص الَّتِي هِيَ حَقِيقَة اياك نعبدمع حَقِيقَة التَّوَكُّل الَّتِي هِيَ حَقِيقَة اياك نستعين كَانَ هَذَا فَوق مَا يجده كل أحد لم يجد مثل هَذَا وَالله أعلم  5

٦
.
 الفصل الخامس الوصية الصغرى سوال ابي القاسم المغربي
 يتفضل الشَّيْخ الامام بَقِيَّة السّلف وقدوة الْخلف أعلم من لقِيت بِبِلَاد الْمشرق وَالْمغْرب تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية بِأَن يوصيني بِمَا يكون فِيهِ صَلَاح ديني ودنياي ويرشدني الى كتاب يكون عَلَيْهِ اعتمادي فِي علم الحَدِيث وَكَذَلِكَ فِي غَيره من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وينبهني على أفضل الْأَعْمَال الصَّالِحَة بعد الْوَاجِبَات وَيبين لي أرجح المكاسب كل ذَلِك على قصد الايماء والاختصار وَالله تَعَالَى يحفظه وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَأجَاب الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصِيَّة الله فِي كتابنه أما الْوَصِيَّة فَمَا أعلم وَصِيَّة أَنْفَع من وَصِيَّة الله وَرَسُوله لمن عقلهَا واتبعها قَالَ تَعَالَى وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم أَن اتَّقوا الله وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ ووصى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا لما بَعثه الى الْيمن فَقَالَ يَا معَاذ اتَّقِ الله حَيْثُمَا كنت وَاتبع السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها وخالق النَّاس بِخلق حسن وَكَانَ معَاذ رَضِي الله عَنهُ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْزِلَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ يَا معَاذ وَالله اني لَأحبك وَكَانَ يردفه وَرَاءه وروى فِيهِ أَنه أعلم الْأمة بالحلال وَالْحرَام وَأَنه يحْشر أَمَام الْعلمَاء برتوة أَي بخطوة وَمن فَضله أَنه بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبلغا عَنهُ دَاعيا ومفقها ومفتيا وحاكما الى أهل الْيمن وَكَانَ يُشبههُ بإبراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِبْرَاهِيم امام النَّاس وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَقُول ان معَاذًا كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين تَشْبِيها لَهُ بإبراهيم شرح وَصِيَّة الرَّسُول ثمَّ انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاه هَذِه الْوَصِيَّة فَعلم أَنَّهَا جَامِعَة وَهِي كَذَلِك لمن عقلهَا مَعَ أَنَّهَا تَفْسِير الْوَصِيَّة القرآنية أما بَيَان جمعهَا فَلِأَن العَبْد عَلَيْهِ حقان حق لله عز وَجل وَحقّ لِعِبَادِهِ ثمَّ الْحق الَّذِي عَلَيْهِ لَا بُد أَن يخل بِبَعْضِه أَحْيَانًا اما بترك مَأْمُور بِهِ أَو فعل مَنْهِيّ عَنهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّقِ الله حَيْثُمَا كنت وَهَذِه كلمة جَامِعَة وَفِي قَوْله حَيْثُمَا كنت تَحْقِيق لِحَاجَتِهِ الى التَّقْوَى فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ثمَّ قَالَ وَاتبع السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها فَإِن الطَّبِيب مَتى تنَاول الْمَرِيض شَيْئا هُوَ الَّذِي مضرا أمره بِمَا يصلحه والذنب للْعَبد كَأَنَّهُ أَمر حتم فالكيس هُوَ الَّذِي لَا يزَال يَأْتِي من الْحَسَنَات بِمَا يمحو السَّيِّئَات وَإِنَّمَا قدم فِي لفظ الحَدِيث السَّيئَة وَإِن كَانَت مفعولة لِأَن الْمَقْصُود هُنَا محوها لَا فعل الْحَسَنَة فَصَارَ كَقَوْلِه فِي بَوْل الأعربي صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء الْأَشْيَاء الَّتِي تَزُول بموجبها الذُّنُوب وَيَنْبَغِي أَن تكون الْحَسَنَات من جنس السَّيِّئَات فَإِنَّهُ أبلغ فِي المحو والذنُوب يَزُول مُوجبهَا بأَشْيَاء أَحدهَا التَّوْبَة وَالثَّانِي الاسْتِغْفَار من غير تَوْبَة فَإِن الله تَعَالَى قد يغْفر لَهُ اجابة لدعائة وان لم يتب فاذا اجْتمعت التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار فَهُوَ الْكَمَال الثَّالِث الْأَعْمَال الصَّالِحَة المكفرة اما الْكَفَّارَات الْمقدرَة كَمَا يكفر المجامع فِي رَمَضَان والمظاهر والمرتكب لبَعض مَحْظُورَات الْحَج أَو تَارِك بعض واجباته أَو قَاتل الصَّيْد بالكفارات الْمقدرَة وَهِي أَرْبَعَة أَجنَاس هدي وَعتق وَصدقَة وَصِيَام وَإِمَّا الْكَفَّارَات الْمُطلقَة كَمَا قَالَ حُذَيْفَة لعمر فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله وَولده يكقرها الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالصَّدَََقَة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقد دلّ على ذَلِك الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح فِي التَّكْفِير بالصلوات الْخمس وَالْجُمُعَة وَالصِّيَام وَالْحج وَسَائِر الْأَعْمَال الَّتِي يُقَال فِيهَا من قَالَ كَذَا وَعمل كَذَا غفر لَهُ أَو غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَهِي كَثِيرَة لمن تلقاها من السّنَن خُصُوصا مَا صنف من السّنَن خُصُوصا مَا صنف فِي فَضَائِل الْأَعْمَال الْعِنَايَة بمزيلات الذُّنُوب وَاعْلَم أَن الْعِنَايَة بِهَذَا من أَشد مَا بالانسان الْحَاجة اليه فَإِن الانسان من حِين يبلغ خُصُوصا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَنَحْوهَا من أزمنة الفترات الَّتِي تشبه الْجَاهِلِيَّة من بعض الْوُجُوه فان الانسان الَّذِي ينشأ بَين أهل علم وَدين قد يتطلخ من أُمُور الْجَاهِلِيَّة بعدة أَشْيَاء فَكيف بِغَيْر هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب لدخلتموه قَالُوا يَا رَسُول الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ فَمن هَذَا خبر تَصْدِيقه فِي قَوْله تَعَالَى فاستمتعتم بخلاقكم كَمَا استمتع الَّذين من قبلكُمْ بخلاقهم وخضتم كَالَّذي خَاضُوا وَلِهَذَا شَوَاهِد فِي الصِّحَاح والحسان وَهَذَا أَمر قد يسري فِي المنتسبين الى الدّين من الْخَاصَّة كَمَا قَالَ غير وَاحِد من السّلف مِنْهُم ابْن عُيَيْنَة فَإِن كثيرا من أَحْوَال الْيَهُود قد ابتلى بِهِ بعض المنتسبين الى الْعلم وَكَثِيرًا من أَحْوَال النَّصَارَى قد ابْتُلِيَ بِهِ بعض المنتسبين الى الدّين كَمَا يبصر ذَلِك من فهم دين الاسلام الَّذِي بعث الله بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نزله على أَحْوَال النَّاس واذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَمن شرح الله صَدره للاسلام فَهُوَ على نور من ربه وَكَانَ مَيتا فأحياه الله وَجعل لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس لَا بُد أَن يُلَاحظ أَحْوَال الْجَاهِلِيَّة وَطَرِيق الأمتين المغضوب عَلَيْهِم والضالين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَيرى أَن قد ابْتُلِيَ بِبَعْض ذَلِك فأنفع مَا للخاصة والعامة الْعلم بِمَا يخلص النُّفُوس من هَذِه الورطات وَهُوَ اتِّبَاع السَّيِّئَات الْحَسَنَات والحسنات مَا ندب الله اليه على لِسَان خَاتم النَّبِيين من الْأَعْمَال والأخلاق وَالصِّفَات المصائب المكفرة للذنوب وَمِمَّا يزِيل مُوجب الذُّنُوب المصائب المكفرة وَهِي كل مَا يؤلم من هم أَو حزن أَو أَذَى فِي مَال أَو عرض أَو جَسَد أَو غير ذَلِك لَكِن لَيْسَ هَذَا من فعل العَبْد فَلَمَّا قضى بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ حق الله من عمل الصَّالح واصلاح الْفَاسِد قَالَ وخالق النَّاس بِخلق حسن هُوَ حق النَّاس جماع الْخلق الْحسن مَعَ النَّاس وجماع الْخلق الْحسن مَعَ النَّاس أَن تصل من قَطعك بِالسَّلَامِ والاكرام وَالدُّعَاء لَهُ وَالِاسْتِغْفَار وَالثنَاء عَلَيْهِ والزيارة لَهُ وَتُعْطِي من حَرمك من التَّعْلِيم وَالْمَنْفَعَة وَالْمَال وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك فِي دم أَو مَال أَو عرض وَبَعض هَذَا وَاجِب وَبَعضه مُسْتَحقّ معنى الْخلق الْعَظِيم وَأما الْخلق الْعَظِيم الَّذِي وصف الله بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الدّين الْجَامِع لجَمِيع مَا أَمر الله بِهِ مُطلقًا هَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَغَيره وَهُوَ تَأْوِيل الْقُرْآن كَمَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ خلقه الْقُرْآن وَحَقِيقَته الْمُبَادرَة الى امْتِثَال مَا يُحِبهُ الله تَعَالَى بِطيب نفس وانشراح صدر اسْم التَّقْوَى وَمَا يجمعه وَأما بَيَان أَن هَذَا كُله فِي وَصِيَّة الله فَهُوَ أَن اسْم تقوى الله يجمع فعل كل مَا أَمر الله بِهِ ايجابا واستحبابا وَمَا نهى عَنهُ تَحْرِيمًا وتنزيها وَهَذَا يجمع حُقُوق الله وَحُقُوق الْعباد لَكِن لما كَانَ تَارَة يَعْنِي بالتقوى خشيَة الْعَذَاب الْمُقْتَضِيَة للانكفاف عَن الْمَحَارِم جَاءَ مُفَسرًا فِي حَدِيث معَاذ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ قيل يَا رَسُول الله مَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس الْجنَّة قَالَ تقوى الله وَحسن الْخلق قيل وَمَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس النَّار قَالَ الأجوفان الْفَم والفرج وَفِي الصَّحِيح عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل الْمُؤمنِينَ اسيمانا أحْسنهم خلقا فَجعل كَمَال الايمان فِي كَمَال حسن الْخلق وَمَعْلُوم أَن الايمان كُله تقوى الله شُمُول التَّقْوَى وتفصيل أصُول التَّقْوَى وفروعها لَا يحْتَملهُ هَذَا الْموضع فَإِنَّهَا الدّين كُله لَكِن ينبوع الْخَيْر وَأَصله اخلاص العَبْد لرَبه عبَادَة واستعانة كَمَا فِي قَوْله اياك نعْبد واياك نستعين وَفِي قَوْله فاعبده وتوكل عَلَيْهِ وَفِي قَوْله عَلَيْهِ توكلت واليه أنيب وَفِي قَوْله فابتغو عِنْد الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ بِحَيْثُ يقطع العَبْد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم عملا لأجلهم وَيجْعَل همته ربه تَعَالَى وَذَلِكَ بملازمة الدُّعَاء لَهُ فِي كل مَطْلُوب من فاقة وحاجة ومخافة وَغير ذَلِك وَالْعَمَل لله بِكُل مَحْبُوب وَمن أحكم هَذَا فَلَا يُمكن أَن يُوصف مَا يعقبه ذَلِك أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض وَأما مَا سَأَلت عَنهُ من أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض فَإِنَّهُ يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس فِيمَا يقدرُونَ عَلَيْهِ وَمَا يُنَاسب أوقاتهم فَلَا يُمكن فِيهِ جَوَاب جَامع مفصل لكل أحد لَكِن مِمَّا هُوَ كالاجماع بَين الْعلمَاء بِاللَّه وَأمره أَن مُلَازمَة ذكر الله دَائِما هُوَ أفضل مَا شغل العَبْد بِهِ نفس فِي الْجُمْلَة وعَلى ذَلِك دلّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ مُسلم سبق المفردون قَالُوا يَا رَسُول الله وَمن المفردون قَالَ الذاكرون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلا أنبئكم بِخَير أَعمالكُم وأزكاها عِنْد مليككم وأرفعها فِي درجاتكم وَخير لكم من اعطاء الذَّهَب الْوَرق وَمن أَن تلقوا عَدوكُمْ فتضربوا أَعْنَاقهم ويضربوا أَعْنَاقكُم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ ذكر الله والدلائل القرآنية والايمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذَلِك كَثِيرَة وَأَقل ذَلِك أَن يلازم العَبْد الْأَذْكَار المأثورة عَن معلم الْخَيْر وامام الْمُتَّقِينَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالأذكار المؤقتة فِي أول النَّهَار وَآخره وَعند أَخذ المضجع وَعند الاستيقاظ من الْمَنَام وأدبار الصَّلَوَات والأذكار الْمقيدَة مثل مَا يُقَال عِنْد الْأكل وَالشرب واللباس وَالْجِمَاع وَدخُول الْمنزل وَالْمَسْجِد والخلاء وَالْخُرُوج من ذَلِك وَعند الْمَطَر والرعد الى غير ذَلِك وَقد صنفت لَهُ الْكتب الْمُسَمَّاة بِعَمَل الْيَوْم وَاللَّيْلَة أفضل الذّكر ثمَّ مُلَازمَة الذّكر مُطلقًا وأفضله لَا اله الا الله وَقد تعرض أَحْوَال يكون بَقِيَّة الذّكر مثل سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه أفضل مِنْهُ ثمَّ يعلم أَن كل مَا تكلم بِهِ اللِّسَان وتصوره الْقلب مِمَّا يقرب الى الله من تعلم علم وتعليمه وَأمر بِمَعْرُوف وَنهي عَن مُنكر فَهُوَ من ذكر الله وَلِهَذَا من اشْتغل بِطَلَب الْعلم النافع بعد أَدَاء الْفَرَائِض أَو جلس مَجْلِسا يتفقه أَو يفقه فِيهِ الْفِقْه الَّذِي سَمَّاهُ الله وَرَسُوله فقها فَهَذَا أَيْضا من أفضل ذكر الله وعَلى ذَلِك اذا تدبرت لم تَجِد بَين الْأَوَّلين فِي كلماتهم فِي أفضل الْأَعْمَال كَبِير اخْتِلَاف وَمَا اشْتبهَ أمره على العَبْد فَعَلَيهِ بالاستخارة الْمَشْرُوعَة فَمَا نَدم من استخار الله تَعَالَى وليكثر من ذَلِك وَمن الدُّعَاء فَإِنَّهُ مِفْتَاح كل خير وَلَا يعجل فَيَقُول قد دَعَوْت لم يستجب لي وليتحر الْأَوْقَات الفاضلة كآخر اللَّيْل وأدبار الصَّلَوَات وَعند الْأَذَان وَوقت نزُول الْمَطَر وَنَحْو ذَلِك أرجح المكاسب وَأما أرجح المكاسب فالتوكل على الله والثقة بكفايته وَحسن الظَّن بِهِ وَذَلِكَ أَنه يَنْبَغِي للمهتم بِأَمْر الرزق أَن يلجأ فِيهِ الى الله ويدعوه كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِيمَا يأثر عَنهُ نبيه كلكُمْ جَائِع الا من أطعمته فاستطعموني أطْعمكُم يَا عبَادي كلكُمْ عَار الا من كسوته فاستكسوني أكسكم وَفِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسأل أحدكُم ربه حَاجته كلهَا حَتَّى شسع نعلمهُ اذا انْقَطع فَإِنَّهُ ان لم ييسره لم يَتَيَسَّر وَقد قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه وأسألوا الله من فَضله وَقَالَ سُبْحَانَهُ فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي الجمعه فَمَعْنَاه قَائِم فِي جَمِيع الصَّلَوَات وَلِهَذَا وَالله أعلم أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يدْخل الْمَسْجِد أَن يَقُول اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرج أَن يَقُول اللَّهُمَّ اني أَسأَلك من فضلك وَقد قَالَ الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فابتغوا عِنْد الله الزرق واعبدوه واشكروا لَهُ وَهَذَا أَمر وَالْأَمر يَقْتَضِي الايجاب فالاستعانة بِاللَّه واللجوء اليه فِي أَمر الرزق وَغَيره أصل عَظِيم ثمَّ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْخُذ المَال بسخاوة نفس ليبارك لَهُ فِيهِ وَلَا يَأْخُذهُ بإشراف وهلع بل يكون المَال عِنْده بِمَنْزِلَة الْخَلَاء الَّذِي يحْتَاج اليه من غير أَن يكون لَهُ فِي الْقلب مكانة وَالسَّعْي فِيهِ اذا سعى كاصلاح الْخَلَاء وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره من أصبح وَالدُّنْيَا أكبر همه شتت الله عَلَيْهِ شَمله وَفرق عَلَيْهِ ضيعته وَلم يَأْته من الدُّنْيَا الا ماكتب لَهُ وَمن أصبح والأخرة أكبر همه جمع الله عَلَيْهِ شَمله وَجعل غناهُ فِي قلبه وأتته الدُّنْيَا وَهِي راغمة وَقَالَ بعض السّلف أَنْت مُحْتَاج الى الدُّنْيَا وَأَنت الى نصيبك من الْآخِرَة أحْوج فَإِن بدأت بنصيبك من الْآخِرَة مر على نصيبك من الدُّنْيَا فانتظمه انتظاما قَالَ الله تَعَالَى وَمَا خلقت الْجِنّ والانس الا ليعبدون مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون ان الله وَهُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين فَأَما تعْيين مكسب على مكسب من صناعَة أَو تِجَارَة أَو بناية أَو حراثة أَو غير ذَلِك فَهَذَا يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس وَلَا أعلم فِي ذَلِك شَيْئا عَاما لَكِن اذا عَن للانسان جِهَة فليستخر الله تَعَالَى فِيهَا الاستخارة المتلقاة عَن معلم الْخَيْر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن فِيهَا من الْبركَة مَا لَا يحاط بِهِ ثمَّ مَا تيَسّر لَهُ فَلَا يتَكَلَّف غَيره الا أَن يكون مِنْهُ كَرَاهَة شَرْعِيَّة الْكتب الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْعُلُوم وَأما مَا تعتمد عَلَيْهِ من الْكتب فِي الْعُلُوم فَهَذَا بَاب وَاسع وَهُوَ أَيْضا يخْتَلف باخْتلَاف نشء الانسان فِي الْبِلَاد فقد يَتَيَسَّر لَهُ فِي بعض الْبِلَاد من الْعلم أَو من طَريقَة ومذهبه فِيهِ مَا لَا يَتَيَسَّر لَهُ فِي بلد آخر لَكِن جماع الْخَيْر أَن يَسْتَعِين بِاللَّه سُبْحَانَهُ فِي تلقي الْعلم الْمَوْرُوث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يسْتَحق أَن يُسمى علما وَمَا سواهُ اما أَن يكون علما فَلَا يكون نَافِعًا وَإِمَّا أَن لَا يكون علما وان سمي بِهِ وَلَئِن كَانَ علما نَافِعًا فَلَا بُد أَن يكون فِي مِيرَاث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُغني عَنهُ مِمَّا هُوَ مثله وَخير مِنْهُ ولتكن همته فهم مَقَاصِد الرَّسُول فِي أمره وَنَهْيه وَسَائِر كَلَامه فاذا اطْمَأَن قلبه أَن هَذَا هُوَ مُرَاد الرَّسُول فَلَا يعدل عَنهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا مَعَ النَّاس اذا أمكنه ذَلِك وليجتهد أَن يعتصم فِي كل بَاب من أَبْوَاب الْعلم بِأَصْل مأثور عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واذا اشْتبهَ عَلَيْهِ مِمَّا قد اخْتلف فِيهِ النَّاس فَليدع بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول اذا قَامَ يُصَلِّي من اللَّيْل اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْت تحكم بِي عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهدني لما اخْتلف فِيهِ من الْحق باذنك انك نهدي من تشَاء الى صِرَاط مُسْتَقِيم فَإِن الله تَعَالَى قد قَالَ فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ رَسُوله يَا عبَادي كلكُمْ ضال الا من هديته فاستهدوني أهدكم وَأما وصف الْكتب والمصنفين فقد سمع منا فِي أثْنَاء المذاكرة مَا يسره الله سُبْحَانَهُ وَمَا فِي الْكتب المصنفة المبوبة كتاب أَنْفَع من صَحِيح مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ لَكِن هُوَ وَحده لَا يقوم بأصول الْعلم وَلَا يَقُول بِتمَام الْمَقْصُود للمتبحر فِي أَبْوَاب الْعلم اذ لَا بُد من معرفَة أَحَادِيث أخر وَكَلَام أهل الْفِقْه وَأهل الْعلم فِي الْأُمُور الَّتِي يخْتَص بعلمها بعض الْعلمَاء وَقد أوعبت الْأمة فِي كل فن من فنون الْعلم ايعابا فَمن نور الله قلبه هداه بِمَا يبلغهُ من ذَلِك وَمن أعماه لم تزِدْه كَثْرَة الْكتب الا حيرة وضلالا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي لبيد الْأنْصَارِيّ أَو لَيست التَّوْرَاة والأنجيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تغني عَنْهُم فنسأل الله الْعَظِيم أَن يرزقنا الْهدى والسداد ويلهمنا رشدنا ويقينا شَرّ أَنْفُسنَا وَأَن لَا يزِيغ قُلُوبنَا بعد اذ هدَانَا ويهب لنا من لَدنه رَحْمَة انه هُوَ الْوَهَّاب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وصلواته على أشرف الْمُرْسلين

٦



٧ الفصل السادس الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل وأقسام التَّقْوَى وَالصَّبْر وَسُئِلَ الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَامِل الحبر الْكَامِل شيخ الاسلام ومفتي الْأَنَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية أيده الله وزاده من فَضله الْعَظِيم عَن الصَّبْر الْجَمِيل والصفح الْجَمِيل والهجر الْجَمِيل وَمَا أَقسَام التَّقْوَى وَالصَّبْر الَّذِي عَلَيْهِ النَّاس فَأجَاب رَحمَه الله الْحَمد لله أما بعد فَإِن الله أَمر نبيه بالهجر الْجَمِيل والصفر الْجَمِيل وَالصَّبْر الْجَمِيل فالهجر الْجَمِيل هجر بِلَا أَذَى والصفح الْجَمِيل صفح بِلَا عتاب وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِلَا شكوى قَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انما أَشْكُو بثي وحزني الى الله مَعَ قَوْله فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون فالشكوى الى الله لَا تنَافِي الصَّبْر الْجَمِيل ويروى عَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك الْحَمد واليك المستكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان وَمن دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اليك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس أَنْت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي الله الى من تَكِلنِي الى بعيد يتجهمني أم الى عَدو ملكته أَمْرِي ان لم يكن بك غضب عَليّ فَلَا أُبَالِي غير أَن عافيتك هِيَ أوسع لي أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن ينزل بِي سخطك أَو يحل عَليّ غضبك لَك العتبى حَتَّى ترْضى وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر انما أَشْكُو بثي وحزني الى الله ويبكي حَتَّى يسمع نَشِيجه من آخر الصُّفُوف بِخِلَاف الشكوى الى الْمَخْلُوق قرىء على الامام أَحْمد فِي مرض مَوته أَن طاووسا كره أَنِين الْمَرِيض وَقَالَ انه شكوى فَمَا أَن حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ أَن المشتكي طَالب بِلِسَان الْحَال اما ازالة مَا يضرّهُ أَو حُصُول مَا يَنْفَعهُ وَالْعَبْد مَأْمُور أَن يسْأَل ربه دون خلقه كَمَا قَالَ تَعَالَى فَإِذا فرغت فانصب والى رَبك فارغب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس اذا سَأَلت فاسأل الله واذا استغنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَلَا بُد للانسان من شَيْئَيْنِ طَاعَته بِفعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور وَصَبره على مَا يُصِيبهُ من الْقَضَاء الْمَقْدُور فَالْأول هُوَ التَّقْوَى وَالثَّانِي هُوَ الصَّبْر قَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا الى قَوْله وان تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا ان الله بِمَا يعْملُونَ محيظ وَقَالَ تَعَالَى بلَى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين وَقَالَ تَعَالَى لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَقد قَالَ يُوسُف أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فَإِن الله لايضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَصِيَّة الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَنَحْوه من المشائح المستقيمين يوصون فِي عَامَّة كَلَامهم بِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ المسارعة الى فعل الْمَأْمُور والتقاعد عَن فعل الْمَحْظُور وَالصَّبْر وَالرِّضَا بِالْأَمر الْمَقْدُور وَذَلِكَ أَن هَذَا الْمَوْضُوع غلط فِيهِ كثير من الْعَامَّة بل وَمن السالكين فَمنهمْ من يشْهد الْقدر فَقَط وَيشْهد الْحَقِيقَة الكونية دون الدِّينِيَّة فَيرى أَن الله خَالق كل شَيْء وربه وَلَا يفرق بَين مَا يُحِبهُ الله ويرضاه وَبَين مَا يسخطه ويبغضه وان قدره وقضاه وَلَا يُمَيّز بَين تَوْحِيد الألوهية وَبَين تَوْحِيد الربوبية فَيشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات سعيدها وشقيها مشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالنَّبِيّ الصَّادِق والمتنبيء الْكَاذِب وَأهل الْجنَّة وَأهل النَّار وأولياء الله وأعداؤه وَالْمَلَائِكَة المقربون والمردة الشَّيَاطِين أفهام خاطئة فِي الْقَضَاء وَالْقدر فَإِن هَؤُلَاءِ كلهم يشتركون فِي هَذَا الْجمع وَهَذِه الْحَقِيقَة الكونية وَهُوَ أَن الله رَبهم وخالقهم ومليكهم لَا رب لَهُم غَيره وَلَا يشْهد الْفرق الَّذِي فرق الله بِهِ بَين أوليائه وأعدائه وَبَين الْمُؤمنِينَ والكافرين والأبرار والفجار وَأهل الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ تَوْحِيد الألوهية وَهُوَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وطاعته وَطَاعَة رَسُوله وَفعل مَا يُحِبهُ ويرضاه وَهُوَ مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله أَمر ايجاب أَو أَمر اسْتِحْبَاب وَترك مَا نهى الله عَنهُ وَرَسُوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَجِهَاد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ بِالْقَلْبِ وَالْيَد وَاللِّسَان فَمن لم يشْهد هَذِه الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة الفارقة بَين هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء وَيكون مَعَ أهل الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة والا فَهُوَ من جنس الْمُشْركين وَهُوَ شَرّ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى اقرار الْمُشْركين بِالْحَقِيقَةِ الكونية فَإِن الْمُشْركين يقرونَ بِالْحَقِيقَةِ الكونية اذ هم يقرونَ بِأَن الله رب كل شَيْء كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله وَقَالَ تَعَالَى قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا ان كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ قل من رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ ان كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل فَأنى تسحرون وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه الا وهم مشركون قَالَ بعض السّلف تَسْأَلهُمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَيَقُولُونَ الله وهم مَعَ هَذَا يعْبدُونَ غَيره فَمن أقرّ بِالْقضَاءِ وَالْقدر دون الْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين فَهُوَ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِن أُولَئِكَ يقرونَ بِالْمَلَائِكَةِ وَالرسل الَّذِي جَاءُوا بِالْأَمر وَالنَّهْي الشرعيين لَكِن آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الَّذين يكفرون بِاللَّه وَرُسُله ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا وَأما الَّذِي يشْهد الْحَقِيقَة الكونية وتوحيد الربوبية الشَّامِل للخليقة ويقر أَن الْعباد كلهم تَحت الْقَضَاء وَالْقدر ويسلك هَذِه الْحَقِيقَة فَلَا يفرق بَين الْمُؤمنِينَ والمتقين الَّذين أطاعوا أَمر الله الَّذِي بعث بِهِ رسله وَبَين من عصى الله وَرَسُوله من الْكفَّار والفجار فَهَؤُلَاءِ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَكِن من النَّاس من قد لمحوا الْفرق فِي بعض الْأُمُور دون بعض بِحَيْثُ يفرق بَين الْمُؤمن وَالْكَافِر وَلَا يفرق بَين الْبر والفاجر أَو يفرق بَين بعض الْأَبْرَار وَبَين بعض الْفجار وَلَا يفرق بَين آخَرين اتبَاعا لظَنّه وَمَا يهواه فَيكون نَاقص الايمان بِحَسب مَا سوى بَين الْأَبْرَار والفجار وَيكون مَعَه من الايمان بدين الله تَعَالَى الْفرق بِحَسب مَا فرق بِهِ بَين أوليائه وأعدائه وَمن أقرّ بِالْأَمر وَالنَّهْي الدينيين دون الْقَضَاء وَالْقدر كَانَ من الْقَدَرِيَّة كالمعتزلة وَغَيرهم الَّذين هم مجوس هَذِه الْأمة فَهَؤُلَاءِ يشبهون الْمَجُوس وولئك يشبهون الْمُشْركين الَّذين هم شَرّ من الْمَجُوس وَمن أقرّ بهما وَجعل الرب متناقضا فَهُوَ من أَتبَاع ابليس الَّذِي اعْترض على الرب سُبْحَانَهُ وخاصمه كَمَا نقل ذَلِك عَنهُ فَهَذَا التَّقْسِيم فِي القَوْل والاعتقاد أَقسَام النَّاس فِي الْعِبَادَة وَكَذَلِكَ هم فِي الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال فَالصَّوَاب مِنْهَا حَالَة الْمُؤمن الَّذِي يَتَّقِي الله فيفعل الْمَأْمُور وَيتْرك الْمَحْظُور ويصبر على مَا يُصِيبهُ من الْمَقْدُور فَهُوَ عِنْد الْأَمر وَالنَّهْي وَالدّين والشريعة ويستعين بِاللَّه على ذَلِك كَمَا قَالَ تَعَالَى اياك نعْبد واياك نستعين واذا أذْنب اسْتغْفر وَتَابَ لَا يحْتَج بِالْقدرِ على مَا يَفْعَله من السَّيِّئَات وَلَا يرى للمخلوق حجَّة على رب الكائنات بل يُؤمن بِالْقدرِ وَلَا يحْتَج بِهِ كَمَا فِي الحَدِيث الصيحيح الَّذِي فِيهِ سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا اله الا أَنْت خلقتني وَأَنا عَبدك وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ وأبوء بذنبي فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب الا أَنْت فَيقر بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ فِي الْحَسَنَات وَيعلم أَنه هُوَ هداه ويسره لليسرى ويقر بذنوبه من السَّيِّئَات وَيَتُوب مِنْهَا كَمَا قَالَ بَعضهم أطعتك بِفَضْلِك والْمنَّة لَك وعصيتك بعلمك وَالْحجّة لَك فأسألك بِوُجُوب حجتك عَليّ وَانْقِطَاع حجتي الا غفرت لي وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح الالهي يَا عبَادي انما هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم ثمَّ أوفيكم اياها فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن الا نَفسه وَهَذَا لَهُ تَحْقِيق مَبْسُوط فِي غير هَذَا الْموضع وَآخَرُونَ قد يشْهدُونَ الْأَمر فَقَط فتجدهم يجتهدون فِي الطَّاعَة حسب الِاسْتِطَاعَة لَكِن لَيْسَ عِنْدهم من مُشَاهدَة الْقدر مَا يُوجب لَهُم حَقِيقَة الِاسْتِعَانَة والتوكل وَالصَّبْر وَآخَرُونَ يشْهدُونَ الْقدر فَقَط فَيكون عِنْدهم من الِاسْتِعَانَة والتوكل وَالصَّبْر مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ لكِنهمْ لَا يلتزمون أَمر الله وَرَسُوله وَاتِّبَاع شَرِيعَته وملازمة مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة من الدّين فَهَؤُلَاءِ يستعينون الله وَلَا يعبدونه وَالَّذين من قبلهم يُرِيدُونَ أَن يعبدوه وَلَا يستعينوه وَالْمُؤمن يعبده ويستعينة وَالْقسم الرَّابِع شَرّ الْأَقْسَام وَهُوَ من لَا يعبده وَلَا يستعينة فَلَا هُوَ مَعَ الشَّرِيعَة الأمرية وَلَا مَعَ الْقدر الكوني وانقسامهم الى هَذِه الْأَقْسَام هُوَ فِيمَا يكون قبل وُقُوع الْمَقْدُور من توكل واستعانة وَنَحْو ذَلِك وَمَا يكون بعده من صَبر ورضا وَنَحْو ذَلِك فهم فِي التَّقْوَى وَهِي طَاعَة الْأَمر الديني وَالصَّبْر على مَا يقدر عَلَيْهِ من الْقدر الكوني أَرْبَعَة أَقسَام أَقسَام النَّاس فِي التَّقْوَى وَالصَّبْر أَحدهَا أهل التَّقْوَى وَالصَّبْر وهم الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من أهل السَّعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالثَّانِي الَّذين لَهُم نوع من التَّقْوَى بِلَا صَبر مثل الَّذين يمتثلون مَا عَلَيْهِم من الصَّلَاة وَنَحْوهَا ويتركون الْمُحرمَات لَكِن اذا أُصِيب أحدهم فِي بدنه بِمَرَض وَنَحْوه أَو فِي مَاله أَو فِي عرضه أَو ابْتُلِيَ بعدو يخيفه عظم جزعه وَظهر هلعه وَالثَّالِث قوم لَهُم نوع من الصَّبْر بِلَا تقوى مثل الْفجار الَّذين يصبرون على مَا يصبيهم فِي مثل أهوائهم كاللصوص والقطاع الَّذين يصبرون على الآلام فِي مثل مَا يطلبونه من الْغَصْب وَأخذ الْحَرَام وَالْكتاب وَأهل الدِّيوَان الَّذين يصبرون على ذَلِك فِي طلب مَا يحصل لَهُم من الْأَمْوَال بالخيانة وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ طلاب الرِّئَاسَة والعلو على غَيرهم يصبرون من ذَلِك على أَنْوَاع من الْأَذَى الَّتِي لَا يصبر عَلَيْهَا أَكثر النَّاس وَكَذَلِكَ أهل الْمحبَّة للصور الْمُحرمَة من أهل الْعِشْق وَغَيرهم يصبرون فِي مثل مَا يهوونه من الْمُحرمَات على أَنْوَاع من الْأَذَى والآلام وَهَؤُلَاء هم الَّذين يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض أَو فَسَادًا من طلاب الرِّئَاسَة والعلو على الْخلق وَمن طلاب الْأَمْوَال بالبغي والعدوان والاستمتاع بالصور الْمُحرمَة نظرا أَو مُبَاشرَة وَغير ذَلِك يصبرون على أَنْوَاع من المكروهات وَلَكِن لَيْسَ لَهُم تقوى فِيمَا تَرَكُوهُ من الْمَأْمُور وفعلوه من الْمَحْظُور وَكَذَلِكَ قد يصبر الرجل على مَا يُصِيبهُ من المصائب كالمرض والفقر وَغير ذَلِك وَلَا يكون فِيهِ تقوى اذا قدر وَأما الْقسم الرَّابِع فَهُوَ شَرّ الْأَقْسَام لَا يَتَّقُونَ اذا قدرُوا وَلَا يصبرون اذا ابتلوا بل هم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ان الانسان خلق هلوعا واذا مَسّه الشَّرّ جزوعا واذا مَسّه الْخَيْر منوعا فَهَؤُلَاءِ تجدهم من أظلم النَّاس وأجبرهم اذا قدرُوا وَمن أذلّ النَّاس وأجزعهم اذا قهروا ان قهرتهم ذلوا لَك ونافقوك وحابوك واسترحموك ودخلوا فِيمَا يدْفَعُونَ بِهِ عَن أنفسهم من أَنْوَاع الْكَذِب والذل وتعظيم المسؤول وان فهروك كَانُوا من أظلم النَّاس وأقساهم قلبا وَأَقلهمْ رَحْمَة واحسانا وعفوا كَمَا قد جربه الْمُسلمُونَ فِي كل من كَانَ عَن حقائق الايمان أبعد مثل التتار الَّذين قَاتلهم الْمُسلمُونَ وَمن يشبههم فِي كثير من أُمُورهم وان كَانَ متظاهرا بلباس جند الْمُسلمين وعلمائهم وزهادهم وتجارهم وصناعهم قالاعتبار بالحقائق فَإِن الله لَا ينظر الى صوركُمْ وَلَا الى أَمْوَالكُم وَإِنَّمَا ينظر الى ينظر الى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ فَمن كَانَ قلبه وَعَمله من جنس قُلُوب التتار وأعمالهم كَانَ شَبِيها لَهُم من هَذَا الْوَجْه وَكَانَ مَا مَعَه من الْإِسْلَام أَو مَا يظهره مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا مَعَهم من الْإِسْلَام وَمَا يظهرونه مِنْهُ بل يُوجد فِي غير التتار المقاتلين من المظهرين لِلْإِسْلَامِ من هُوَ أعظم ردة وأولي بالأخلاق الْجَاهِلِيَّة وَأبْعد عَن الْأَخْلَاق الإسلامية من التتار وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي خطبَته خير الْكَلَام كَلَام الله وَخير الْهدى هدي مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل مبدعة صلالة وَإِذا كَانَ خير الْكَلَام كَلَام الله وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد فَكل من كَانَ الى ذَلِك أقرب وَهُوَ بِهِ أشبه كَانَ الى الْكَمَال أقرب وَهُوَ بِهِ أَحَق وَمن كَانَ عَن ذَلِك أبعد وَشبهه بِهِ أَضْعَف كَانَ عَن الْكَمَال أبعد وبالباطل أَحَق والكامل هُوَ من كَانَ لله أطوع وعَلى مَا يُصِيبهُ أَصْبِر فَكلما كَانَ أتبع لما يَأْمر الله بِهِ وَرَسُوله وَأعظم مُوَافقَة لله فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه وصبرا على مَا قدره وقضاه كَانَ أكمل وَأفضل وكل من نقص عَن هذَيْن كَانَ فِيهِ من النَّقْص بِحَسب ذَلِك الصَّبْر وَالتَّقوى فِي الْكتاب وَالسّنة وَقد ذكر الله الصَّبْر وَالتَّقوى جَمِيعًا فِي غير مَوضِع من كِتَابه وَبَين أَنه ينصر العَبْد على عدوه من الْكفَّار الْمُحَاربين المعاندين وَالْمُنَافِقِينَ وعَلى من ظلمه من الْمُسلمين ولصاحبه تكون الْعَاقِبَة قَالَ الله تَعَالَى بلَى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين وَقَالَ الله تَعَالَى لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا ودوا مَا عنتم قد بَدَت الْبغضَاء من أَفْوَاههم وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر قد بَينا لكم الْآيَات ان كُنْتُم تعقلون هَا أَنْتُم أولاء تحبونهم وَلَا يحبونكم وتؤمنون بِالْكتاب كُله واذا لقوكم قَالُوا آمنا واذا خلوا عضوا عَلَيْكُم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بِذَات الصُّدُور ان تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وان تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا وان تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا ان الله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط وَقَالَ اخوة يُوسُف لَهُ أانك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَقد قرن الصَّبْر بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة عُمُوما وخصوصا فَقَالَ تَعَالَى وَاتبع مَا يُوحى اليك واصبر حَتَّى يحكم الله وَهُوَ خير الْحَاكِمين وَفِي اتِّبَاع مَا أُوحِي اليه التَّقْوَى كلهَا تَصْدِيقًا لخَبر الله وَطَاعَة لأَمره وَقَالَ تَعَالَى وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل ان الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ واصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَقَالَ تَعَالَى فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك وَسبح بِحَمْد رَبك بالْعَشي والأبكار وَقَالَ تَعَالَى فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا وَمن آنَاء اللَّيْل وَقَالَ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وانها لكبيرة الا على الخاشيعن وَقَالَ تَعَالَى اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة ان الله مَعَ الصابرين فَهَذِهِ مَوَاضِع قرن فِيهَا الصَّلَاة وَالصَّبْر وَقرن بَين الرَّحْمَة وَالصَّبْر فِي مثل قَوْله تَعَالَى وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة وَفِي الرَّحْمَة الاحسان الى الْخلق بِالزَّكَاةِ وَغَيرهَا فَإِن الْقِسْمَة أَيْضا ربَاعِية اذ من النَّاس من يصبر وَلَا يرحم كَأَهل الْقُوَّة وَالْقَسْوَة وَمِنْهُم من يرحم وَلَا يصبر كَأَهل الضعْف واللين مثل كثير من النِّسَاء وَمن يشبههن وَمِنْهُم من لَا يصبر وَلَا يرحم كَأَهل الْقَسْوَة والهلع والمحمود هُوَ الَّذِي يصبر وَيرْحَم كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء فِي الْمُتَوَلِي يَنْبَغِي أَن يكون قَوِيا من غير عنف لينًا من غير ضعف فبصبره يقوى وبلينه يرحم وبالصبر ينصر العَبْد فَإِن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وبالرحمة يرحمه الله تَعَالَى كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انما يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء وَقَالَ من لَا يرحم لَا يرحم وَقَالَ لَا تنْزع الرَّحْمَة الا من شقي وَقَالَ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء وَالله أعلم انْتهى ٧


٨ الفصل السابع تفسير كلام القشيري في الرضا معنى الرِّضَا وَسُئِلَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّا ذكر الْأُسْتَاذ الْقشيرِي فِي بَاب الرِّضَا عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان أَنه قَالَ الرِّضَا أَن لَا يسْأَل الله الْجنَّة وَلَا يستعيذ من النَّار فَهَل هَذَا الْكَلَام صَحِيح فَأجَاب الْحَمد لله رب الْعَالمين الْكَلَام على هَذَا القَوْل من وَجْهَيْن أَحدهمَا من جِهَة ثُبُوته عَن الشَّيْخ وَالثَّانِي من جِهَة صِحَّته فِي نَفسه وفساده أما الْمقَام الأول فَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم لم يذكر هَذَا عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان باسناد وانما ذكره مُرْسلا عَنهُ وَمَا يذكرهُ أَبُو الْقَاسِم فِي رسَالَته عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والمشائخ وَغَيرهم تَارَة يذكرهُ باسناد وتاره يذكرهُ مُرْسلا وَكَثِيرًا مَا يَقُول وَقيل كَذَا ثمَّ الَّذِي يذكرهُ باسناد تَارَة يكون اسناده صَحِيحا وَتارَة يكون ضَعِيفا بل مَوْضُوعا وَمَا يذكرهُ مُرْسلا ومحذوف الْقَائِل أولى وَهَذَا كَمَا يُوجد ذَلِك فِي مصنفات الْفُقَهَاء فَإِن فِيهَا من الْأَحَادِيث والْآثَار مَا هُوَ صَحِيح وَمِنْهَا مَا هُوَ ضَعِيف وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوع حَال أَحَادِيث كتب الرَّقَائِق فالموجود فِي كتب الرَّقَائِق والتصوف من الْآثَار المنقولة فِيهَا الصَّحِيح وفيهَا الضَّعِيف وفيهَا الْمَوْضُوع وَهَذَا الْأَمر مُتَّفق عَلَيْهِ بَين جَمِيع الْمُسلمين لَا يتنازعون أَن هَذِه الْكتب فِيهَا هَذَا وفيهَا هَذَا بل نفس الْكتب المصنفة فِي التَّفْسِير فِيهَا هَذَا وَهَذَا مَعَ أَن أهل الحَدِيث أقرب الى معرفَة المنقولات وَفِي كتبهمْ هَذَا وَهَذَا فَكيف غَيرهم والمصنفون قد يكونُونَ أَئِمَّة فِي الْفِقْه أَو التصوف أَو الحَدِيث ويروون هَذَا تَارَة لأَنهم لم يعلمُوا أَنه كذب وَهُوَ الْغَالِب على أهل الدّين فَإِنَّهُم لَا يحتجون بِمَا يعلمُونَ أَنه كذب وَتارَة يذكرُونَهُ وان علمُوا أَنه كذب اذ قصدهم رِوَايَة مَا رُوِيَ فِي ذَلِك الْبَاب وَرِوَايَة الْأَحَادِيث المذكوبة مَعَ بَيَان كَونهَا كذبا جَائِزا وَأما رِوَايَتهَا مَعَ الامساك عَن ذَلِك رِوَايَة عمل فَإِنَّهُ حرَام عِنْد الْعلمَاء كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين وَقد فعل كثير من الْعلمَاء متأولين أَنهم لم يكذبوا وانما نقلوا مَا رَوَاهُ غَيرهم وَهَذَا يسهل اذا رَوَوْهُ لتعريف أَنه رُوِيَ لَا لأجل الْعَمَل بِهِ وَلَا الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ رَأْي ابْن تَيْمِية فِي رِسَالَة الْقشيرِي وَالْمَقْصُود هُنَا أَن مَا يُوجد فِي الرسَالَة وأمثالها من كتب الْفُقَهَاء والصوفية وَأهل الحَدِيث من المنقولات عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره من السّلف فِيهِ الصَّحِيح والضعيف والموضوع فَالصَّحِيح الَّذِي قَامَت الدّلَالَة على صَدَقَة والموضوع الَّذِي قَامَت الدّلَالَة على كذبة والضعيف الَّذِي رَوَاهُ من لم يعلم صَدَقَة اما لسوء حفظه واما لاتهامه وَلَكِن يُمكن أَن يكون صَادِقا فِيهِ فَإِن الْفَاسِق قد يصدق والغالط قد يحفظ وغالب أَبْوَاب الرسَالَة فِيهَا الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَمن ذَلِك بَاب الرِّضَا فَإِنَّهُ ذكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ذاق طعم الايمان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وبالاسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وان كَانَ الْأُسْتَاذ لم يذكر أَن مُسلما رَوَاهُ لكنه رَوَاهُ باسناد صَحِيح وَذكر فِي أول هَذَا الْبَاب حَدِيثا ضَعِيفا بل مَوْضُوعا وَهُوَ حَدِيث جَابر الطَّوِيل الَّذِي رَوَاهُ من حَدِيث الْفضل بن عِيسَى الرقاشِي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر فَهُوَ وان كَانَ أول حَدِيث ذكره فِي الْبَاب فَإِن أَحَادِيث الْفضل بن عِيسَى من أَوْهَى الْأَحَادِيث وأسقطها وَلَا نزاع بَين الْأَئِمَّة أَنه لَا يعْتَمد عَلَيْهَا وَلَا يحْتَج بهَا فَإِن الضعْف ظَاهر عَلَيْهَا وان كَانَ هُوَ لَا يتَعَمَّد الْكَذِب فَإِن كثيرا من الْفُقَهَاء لَا يحْتَج بِحَدِيثِهِمْ لسوء الْحِفْظ لَا لاعتماد الْكَذِب وَهَذَا الرقاشِي اتَّفقُوا على ضعفه كَمَا يعرف ذَلِك أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن حَتَّى قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ لَو ولد أخرس لَكَانَ خيرا لَهُ وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لَا شَيْء وَقَالَ الامام أَحْمد وَالنَّسَائِيّ هُوَ ضَعِيف وَقَالَ يحيى بن معِين رجل سوء وَقَالَ أبوحاتم وَأَبُو زرْعَة مُنكر الحَدِيث وَكَذَلِكَ مَا ذكره من الْآثَار فَإِنَّهُ قد ذكر آثارا حَسَنَة بأسانيد حَسَنَة مثل مَا رَوَاهُ عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي أَنه قَالَ اذا سلا العَبْد عَن الشَّهَوَات فَهُوَ رَاض فَإِن هَذَا رَوَاهُ عَن شَيْخه أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ باسناده وَالشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن كَانَت لَهُ عناية بِجمع كَلَام هَؤُلَاءِ المشائخ وحكاياتهم وصنف فِي الْأَسْمَاء كتاب طَبَقَات الصُّوفِيَّة وَكتاب زهاد السّلف وَغير ذَلِك وصنف فِي الْأَبْوَاب كتاب مقامات الْأَوْلِيَاء وَغير ذَلِك ومصنفاته تشْتَمل على الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَذكر عَن الشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن أَنه قَالَ سَمِعت النَّصْر آبادي يَقُول من أَرَادَ أَن يبلغ مَحل الرِّضَا فَيلْزم مَا جعل الله رِضَاهُ فِيهِ فَإِن هَذَا الْكَلَام فِي غَايَة الْحسن فَإِنَّهُ من لزم مَا يُرْضِي الله من امْتِثَال أوامره وَاجْتنَاب نواهيه لَا سِيمَا اذا قَامَ بواجبها ومستحبها فَإِن الله يرضى عَنهُ كَمَا أَن من لزم محبوبات الْحق أحبه الله كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث الصيحيح الَّذِي فِي البُخَارِيّ من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وَمَا تقرب الي عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ وَلَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب الي بالنوافل حَتَّى أحبه فاذا أحببته الحَدِيث وَذَلِكَ أَن الرِّضَا نَوْعَانِ نوعا الرِّضَا أَحدهمَا الرِّضَا بِفعل مَا أَمر بِهِ وَترك مَا نهى عَنهُ ويتناول مَا أَبَاحَهُ الله من غير تعهد الى الْمَحْظُور كَمَا قَالَ وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه وَقَالَ تَعَالَى وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله انا الى الله راغبون وَهَذَا الرِّضَا وَاجِب وَلِهَذَا ذمّ من تَركه بقوله وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وان لم يُعْطوا مِنْهَا اذا هم يسخطون وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله وَالنَّوْع الثَّانِي الرِّضَا بالمصائب كالفقر وَالْمَرَض والذل فَهَذَا الرِّضَا مُسْتَحبّ فِي أحد قولي الْعلمَاء وَلَيْسَ بِوَاجِب وَقد قيل أَنه وَاجِب وَالصَّحِيح أَن الْوَاجِب هُوَ الصَّبْر كَمَا قَالَ الْحسن الرِّضَا غريزة وَلَكِن الصَّبْر معول الْمُؤمن وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان اسْتَطَعْت أَن تعْمل بِالرِّضَا مَعَ الْيَقِين فالفعل فَإِن لم تستطع فان فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا وَأما الرِّضَا بالْكفْر والفسوق والعصيان فَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة الدّين أَنه لَا يرضى بذلك فَإِن الله لَا يرضاه كَمَا قَالَ وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الكفروقال وَالله لَا يحب الْفساد وَقَالَ تَعَالَى فَإِن ترضوا عَنْهُم فان الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين وَقَالَ تَعَالَى فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذاما عَظِيما وَقَالَ ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم وَقَالَ تَعَالَى وعد الله الْمُنَافِقين والمنافقات وَالْكفَّار نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا هِيَ حسبهم وَقَالَ تَعَالَى لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ وَقَالَ تَعَالَى فَلَمَّا آسفونا انتقمنا منهمفاذا كَانَ الله سُبْحَانَهُ لَا يرضى لَهُم مَا عملوه بل يسخطه ذَلِك وَهُوَ يسْخط عَلَيْهِم ويغضب عَلَيْهِم فَكيف يشرع لِلْمُؤمنِ أَن يرضى ذَلِك وَأَن يسْخط ويغضب لما يسْخط الله ويغضبه أفهام فِي الرِّضَا والارادة وانما ضل هُنَا فريقان من النَّاس قوم من أهل الْكَلَام المنتسبين الى السّنة فِي مناظرة الْقَدَرِيَّة ظنُّوا أَن محبَّة الْحق وَرضَاهُ وغضبه وَسخطه يرجع الى ارادته وَقد علمُوا أَنه مُرِيد لجَمِيع الكائنات خلافًا للقدرية وَقَالُوا هُوَ أَيْضا محب لَهَا مُرِيد لَهَا ثمَّ أخذُوا يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه فَقَالُوا لَا يحب الْفساد بِمَعْنى لَا يُرِيد الْفساد أَي لَا يُريدهُ للْمُؤْمِنين وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر أَي لَا يُريدهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ وَهَذَا غلط عَظِيم فَإِن هَذَا عِنْدهم بِمَنْزِلَة أَن يُقَال لَا يحب الايمان وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الايمان أَي لَا يُريدهُ للْكَافِرِينَ وَلَا يرضاه للْكَافِرِينَ وَقد اتّفق أهل الاسلام على أَن مَا أَمر الله بِهِ فَإِنَّهُ بِكَوْن مُسْتَحبا يُحِبهُ ثمَّ قد يكون مَعَ ذَلِك وَاجِبا وَقد يكون مُسْتَحبا لَيْسَ بِوَاجِب سَوَاء فعل أَو لم يفعل وَالْكَلَام على هَذَا مَبْسُوط فِي غير هَذَا الْموضع والفريق الثَّانِي من غالطي المتصوفة شربوا من هَذِه الْعين فَشَهِدُوا أَن الله رب الكائنات جَمِيعهَا وَعَلمُوا أَنه قدر على كل شَيْء وشاءه وظنوا أَنهم لَا يكونُونَ راضين حَتَّى يرْضوا بِكُل مَا يقدره ويقضيه من الْكفْر والفسوق والعصيان حَتَّى قَالَ بَعضهم الْمحبَّة نَار تحرق من الْقلب كل مَا سوى مُرَاد المحبوب قَالُوا والكون كُله مُرَاد المحبوب وضل هَؤُلَاءِ ضلالا عَظِيما حَيْثُ لم يفرقُوا بَين الارادة الدِّينِيَّة والكونية والاذن الكوني والديني وَالْأَمر الكوني والديني والبعث الكوني والديني والارسال الكوني والديني كَمَا بسطناه فِي غير هَذَا الْموضع وَهَؤُلَاء يؤول الْأَمر بهم الى أَن لَا يفرقُوا بَين الْمَأْمُور والمحظور وأولياء الله وأعداءه والأنبياء والمتقين ويجعلون الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض ويجعلون الْمُتَّقِينَ كالفجار ويجعلون الْمُسلمين كالمجرمين ويعطلون الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والشرائع وَرُبمَا سموا هَذَا حَقِيقَة ولعمري انه حَقِيقَة كونية لَكِن هَذِه الحقية الكونية قد عرفهَا عباد الْأَصْنَام كَمَا قَالَ وَلَئِن سألتهمم من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله وَقَالَ تَعَالَى قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا ان كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ الْآيَات فالمشركون الَّذين يعْبدُونَ الْأَصْنَام كَانُوا مقرين بِأَن الله خَالق كل شَيْء وربه ومليكه فَمن كَانَ هَذَا مُنْتَهى تَحْقِيقه كَانَ أقرب أَن يكون كعباد الْأَصْنَام وَالْمُؤمن انما فَارق الْكفْر بالايمان بِاللَّه وبرسله وبتصديقهم فِيمَا أخبروا وطاعتهم فِيمَا أمروا وَاتِّبَاع مَا يرضاه الله وَيُحِبهُ دون مَا يقدره ويقضيه من الْكفْر والفسوق والعصيان وَلَكِن يرضى بِمَا أَصَابَهُ من المصائب لَا بِمَا فعله من المعائب فَهُوَ من الذُّنُوب يسْتَغْفر وعَلى المصائب يصبر فَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك فَيجمع بَين طَاعَة الْأَمر وَالصَّبْر على المصائب كَمَا قَالَ تَعَالَى وان تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا وَقَالَ تَعَالَى وان تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَقَالَ يُوسُف انه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ مِمَّا رُوِيَ فِي الرِّضَا عَن الفضيل والجنيد وَالْمَقْصُود هُنَا أَن مَا ذكره الْقشيرِي عَن النَّصْر آبادي من أحسن الْكَلَام حَيْثُ قَالَ من أَرَادَ أَن يبلغ مَحل الرِّضَا فليلزم مَا جعل الله رِضَاهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ قَول الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان اذا سلا العَبْد عَن الشَّهَوَات فَهُوَ رَاض وَذَلِكَ أَن العَبْد انما يمنعهُ من الرِّضَا والقناعة طلب نَفسه لفضلول شهواتها فاذا لم يحصل سخط فاذا سلا عَن شهوات نَفسه رَضِي بِمَا قسم الله لَهُ من الرزق وَكَذَلِكَ مَا ذكره عَن الفضيل بن عِيَاض أَنه قَالَ لبشر الحافي الرِّضَا أفضل من الزّهْد فِي الدُّنْيَا لِأَن الراضي لَا يتَمَنَّى فَوق مَنْزِلَته كَلَام حسن لَكِن أَشك فِي سَماع بشر الحافي من الفضيل وَكَذَلِكَ مَا ذكره مُعَلّقا قَالَ قَالَ الشبلي بَين يَدي الْجُنَيْد لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه فَقَالَ الْجُنَيْد قَوْلك ذَا ضيق صدر وضيق الصَّدْر لترك الرِّضَا بِالْقضَاءِ فَإِن هَذَا من أحسن الْكَلَام وَكَانَ الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ سيد الطَّائِفَة وَمن أحْسنهم تَعْلِيما وتأديبا وتقويما وَذَلِكَ أَن هَذِه الْكَلِمَة كلمة استعانة لَا كلمة استرجاع وَكثير من النَّاس يَقُولهَا عِنْد المصائب بِمَنْزِلَة الاسترجاع ويقولها جزعا لَا صبرا فالجنيد أنكر على الشبلي حَاله فِي سَبَب قَوْله لَهُ اذ كَانَت حَالا يُنَافِي الرِّضَا وَلَو قَالَهَا على الْوَجْه الْمَشْرُوع لم يُنكر عَلَيْهِ مِمَّا رُوِيَ فِي الرِّضَا عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيمَا ذكره آثَار ضَعِيفَة مثل مَا ذكره مُعَلّقا قَالَ وَقيل قَالَ مُوسَى الهي دلَّنِي على عمل اذا عملته رضيت عني فَقَالَ انك لَا تطِيق ذَلِك فَخر مُوسَى سَاجِدا متضرعا فَأوحى الله اليه يَا ابْن عمرَان رضائي فِي رضاك عني فَهَذِهِ الْحِكَايَة الاسرائيلية فِيهَا نظر فَإِنَّهُ قد يُقَال لَا يصلح أَن يحْكى مثلهَا عَن مُوسَى بن عمرَان وَمَعْلُوم أَن هَذِه الاسرائيليات لَيْسَ لَهَا اسناد وَلَا يقوم بهَا حجَّة فِي شَيْء من الدّين الا اذا كَانَت منقولة لنا نقلا صَحِيحا مثل مَا ثَبت عَن نَبينَا أَنه حَدثنَا بِهِ عَن بني اسرائيل وَلَكِن مِنْهُ مَا يعلم كذبه مثل هَذِه فَإِن مُوسَى من أعظم أولي الْعَزْم وأكابر الْمُسلمين فَكيف يُقَال أَنه لَا يُطيق أَن يعْمل مَا يرضى الله بِهِ عَنهُ وَالله تَعَالَى رَاض عَن السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ باحسان أفلايرضى عَن مُوسَى بن عمرَان كليم الرَّحْمَن وَقَالَ تَعَالَى ان الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة جزاؤهم عِنْد رَبهم جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ وَمَعْلُوم أَن مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام من أفضل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ ان الله خص مُوسَى بمزية فَوق الرِّضَا حَيْثُ قَالَ وألقيت عَلَيْك محبَّة مني ولتصنع عَليّ عَيْني ثمَّ ان قَوْله لَهُ فِي الْخطاب يَا ابْن عمرَان مُخَالف لما ذكره الله من خطابه فِي الْقُرْآن حَيْثُ قَالَ يَا مُوسَى وَذَلِكَ الْخطاب فِيهِ نوع غض مِنْهُ كَمَا يظْهر وَمثل مَا ذكر أَنه قيل كتب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أما بعد فان الْخَيْر كُله فِي الرِّضَا فَإِن اسْتَطَعْت أَن ترْضى والا فاصبر فَهَذَا الْكَلَام كَلَام حسن وان لم يعلم اسناده واذا تبين أَن فِيمَا ذكره مُسْتَندا ومرسلا ومعلقا مَا هُوَ صَحِيح وَغَيره فَهَذِهِ الْكَلِمَة لم يذكرهَا عَن أبي سُلَيْمَان الا مُرْسلَة وبمثل ذَلِك لَا تثبت عَن أبي سُلَيْمَان بِاتِّفَاق النَّاس فَإِنَّهُ وان قَالَ بعض النَّاس ان الْمُرْسل حجَّة فَهَذَا لم يعلم أَن الْمُرْسل هُوَ مثل الضَّعِيف وَغير الضَّعِيف فَأَما اذا عرف ذَلِك فَلَا يبْقى حجَّة بِاتِّفَاق الْعلمَاء كمن علم أَنه تَارَة يحفظ الاسناد وَتارَة يغلط فِيهِ مِمَّا قَالَ أَبُو سُلَيْمَان فِي الرِّضَا والكتب المسندة فِي أَخْبَار هَؤُلَاءِ المشائخ وَكَلَامهم مثل كتاب حلية الْأَوْلِيَاء لأبي نعيم وطبقات الصُّوفِيَّة لأبي عبد الرَّحْمَن صفوة الصفوة لِابْنِ الْجَوْزِيّ وأمثال ذَلِك لم يذكرُوا فِيهَا هَذِه الْكَلِمَة عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان أَلا ترى الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُسْندًا حَيْثُ قَالَ قَالَ لِأَحْمَد بن أبي الْحوَاري يَا أَحْمد لقد أُوتيت من الرِّضَا نَصِيبا لَو ألقاني فِي النَّار لكنه بذلك رَاضِيا فَهَذَا الْكَلَام مأثور عَن أبي سُلَيْمَان بالاسناد وَلِهَذَا أسْندهُ عَنهُ الْقشيرِي من طَرِيق شَيْخه أبي عبد الرَّحْمَن بِخِلَاف تِلْكَ الْكَلِمَة فَإِنَّهَا لم تسند عَنهُ فَلَا أصل لَهَا عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان ثمَّ ان الْقشيرِي قرن هَذِه الْكَلِمَة الثَّانِيَة عَن أبي سُلَيْمَان بِكَلِمَة أحسن مِنْهَا فَإِنَّهُ قبل أَن يَرْوِيهَا قَالَ وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَان الْحِيرِي النَّيْسَابُورِي عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسأَلك الرِّضَا بعد الْقَضَاء فَقَالَ لِأَن الرِّضَا بعد الْقَضَاء هُوَ الرِّضَا فَهَذَا الَّذِي قَالَه الشَّيْخ أَبُو عُثْمَان كَلَام حسن سديد ثمَّ أسْند بعد هَذَا عَن الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان أَنه قَالَ أَرْجُو أَن أكون قد عرفت طرفا من الرِّضَا لَو أَنه أدخلني النَّار لَكُنْت بذلك رَاضِيا مَا قَالَه أَبُو سُلَيْمَان عزم على الرِّضَا فَتبين بذلك أَن مَا قَالَه أَبُو سُلَيْمَان لَيْسَ هُوَ رضَا وانما هُوَ عزم على الرِّضَا وانما الرِّضَا مَا يكون بعد الْقَضَاء وان كَانَ هَذَا عزما فالعزم قد يَدُوم وَقد يَنْفَسِخ وَمَا أَكثر انْفِسَاخ العزائم خُصُوصا عزائم الصُّوفِيَّة وَلِهَذَا قيل لبَعْضهِم بِمَاذَا عرفت رَبك قَالَ بِفَسْخ العزائم وَنقض الهمم وَقد قَالَ تَعَالَى لمن هُوَ أفضل من هَؤُلَاءِ المشائخ وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت من قبل أَن تلقوهُ فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ان الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص وَفِي التِّرْمِذِيّ أَن بعض الصَّحَابَة قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو علمنَا أَي الْعَمَل أحب الى الله لعملناه فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة وَقد قَالَ تَعَالَى ألم تَرَ الى الَّذين قيل لَهُم كفوا أَيْدِيكُم وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَلَمَّا كتب عَلَيْهِم الْقِتَال اذا فريق مِنْهُم يَخْشونَ النَّاس كخشية الله أَو أَشد خشيَة وَقَالُوا رَبنَا لم كتبت علينا الْقِتَال لَوْلَا أخرتنا الى أجل قريب الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الَّذين كَانُوا قد عزموا على الْجِهَاد وأحبوه لما ابتلوا بِهِ كرهوه وفروا مِنْهُ وَأَيْنَ ألم الْجِهَاد من ألم النَّار وَعَذَاب الله الَّذِي لَا طَاقَة لأحد بِهِ وَمثل هَذَا مَا يذكرُونَهُ عَن سمنون الْمُحب أَنه كَانَ يَقُول وَلَيْسَ لي فِي سواك حَظّ فكيفما شِئْت فاختبرني فَأَخذه الْعسر من سَاعَته أَي حسر بَوْله فَكَانَ يَدُور على الْمكَاتب وَيفرق الْمُحب أَنه كَانَ يَقُول وَلَيْسَ لي فِي سواك حظفكيفما شِئْت فاختبرني فأخذة الْعسر من سَاعَته أَي حصر بَوْله فَكَانَ يَدُور على الْمكَاتب وَيفرق الْجَوْز على الصّبيان وَيَقُول ادعوا لعمكم الْكذَّاب امتحان سمنون وَحكى أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي بكر الوَاسِطِيّ أَنه قَالَ سمنون يَا رب قد رضيت بِكُل مَا تقضيه عَليّ فاحتبس بَوْله أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَكَانَ يتلوى كَمَا تتلوى الْحَيَّة يتلوى يَمِينا وَشمَالًا فَلَمَّا أطلق بَوْله قَالَ رب قد تبت اليك قَالَ أَبُو نعيم فَهَذَا الرِّضَا الَّذِي ادّعى سمنون ظهر غلطه فِيهِ بِأَدْنَى بلوى مَعَ أَن سمنونا هَذَا كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل وَله فِي الْمحبَّة مقَام مَشْهُور حَتَّى رُوِيَ عَن ابراهيم بن فاتك أَنه قَالَ رَأَيْت سمنونا يتَكَلَّم على النَّاس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فجَاء طَائِر صَغِير فَلم يزل يدنو مِنْهُ حَتَّى جلس على يَده ثمَّ لم يزل يضْرب بمنقاره الأَرْض حَتَّى سقط مِنْهُ دم وَمَات الطَّائِر وَقَالَ رَأَيْته يَوْمًا يتَكَلَّم فِي الْمحبَّة فَاصْطَفَقَتْ قناديل الْمَسْجِد وَكسر بَعْضهَا بَعْضًا قَول رُوَيْم والفضيل والأعرابي وَقد ذكر الْقشيرِي فِي بَاب الرِّضَا عَن رُوَيْم الْمقري رَفِيق سمنون حِكَايَة تناسب هَذَا حَيْثُ قَالَ قَالَ رُوَيْم ان الراضي لَو جعل جَهَنَّم عَن يَمِينه مَا سَأَلَ الله أَن يحولها عَن يسَاره فَهَذَا يشبه قَول سمنون فَكيف ماشئت فامتحني واذا لم يطق الصَّبْر على عسر الْبَوْل أفيطيق أَن تكون النَّار عَن يمينة والفضيل بن عِيَاض كَانَ أَعلَى طبقَة من هَؤُلَاءِ وابتلي بعسر الْبَوْل فغلبه الْأَلَم حَتَّى قَالَ بحبي لَك الا فرجب عني فَفرج عَنهُ ورويم وان كَانَ من رُفَقَاء الْجُنَيْد فَلَيْسَ هُوَ عِنْدهم من هَذِه الطَّبَقَة بل الصُّوفِيَّة يَقُولُونَ انه رَجَعَ الى الدُّنْيَا وَترك التصوف حَتَّى رُوِيَ عَن جَعْفَر الْخُلْدِيِّ صَاحب الْجُنَيْد أَنه قَالَ من أَرَادَ أَن يستكتم سرا فَلْيفْعَل كَمَا فعل رُوَيْم كتم حب الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ سنة فَقيل وَكَيف يتَصَوَّر ذَلِك قَالَ ولي اسماعيل بن اسحق القَاضِي قَضَاء بَغْدَاد وَكَانَ بَينهمَا مَوَدَّة أكيدة فَجَذَبَهُ اليه وَجعله وَكيلا على بَابه فَترك لبس التصوف وَلبس الْخَزّ والقصب والديبقي وَأكل الطَّيِّبَات وَبنى الدّور واذا هُوَ كَانَ يكتم حب الدُّنْيَا مَا لم يجدهَا فَلَمَّا وجدهَا أظهر مَا كَانَ يكتم من حبها هَذَا مَعَ أَنه رَحمَه الله كَانَ لَهُ من الْعِبَادَات ماهو مَعْرُوف وَكَانَ على مَذْهَب دَاوُد وَهَذِه الْكَلِمَات الَّتِي تصدر عَن صَاحب حَال لم يفكر فِي لَوَازِم أَقْوَاله وعواقبها لَا تجْعَل طَريقَة وَلَا تتَّخذ سَبِيلا وَلَكِن قد يسْتَدلّ بهَا على مَا لصالحبها من الرِّضَا والمحبة وَنَحْو ذَلِك وَمَا مَعَه من التَّقْصِير فِي معرفَة حُقُوق الطَّرِيق وَمَا يقدر عَلَيْهِ من التَّقْوَى وَالصَّبْر وَمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من التَّقْوَى وَالصَّبْر وَالرسل صلوَات الله عَلَيْهِم أعلم بطرِيق سَبِيل الله وَأهْدى وأنصح فَمن خرج عَن سنتهمْ وسبيلهم كَانَ منقوصا مخطئا محروما وان لم يكن عَاصِيا أَو فَاسِقًا أَو كَافِرًا وَيُشبه هَذَا الْأَعرَابِي الَّذِي دخل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَرِيض كالفرخ فَقَالَ هَل كنت تَدْعُو الله بِشَيْء قَالَ كنت أَقُول اللَّهُمَّ ماكنت معذبني بِهِ فِي الْآخِرَة فاجعله فِي الدُّنْيَا فَقَالَ سُبْحَانَ الله لَا تستطيعه وَلَا تُطِيقهُ هلا قلت رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار فَهَذَا أَيْضا حمله خَوفه من عَذَاب النَّار ومحبته لِسَلَامَةِ عاقبته على أَن يطْلب تَعْجِيل ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَكَانَ مخطئا فِي ذَلِك غالطا وَالْخَطَأ والغلط مَعَ حسن الْقَصْد وسلامته وَصَلَاح الرجل وفضله وَدينه وزهده وورعه وكراماته كثير جدا فَلَيْسَ من شَرط ولي الله أَن يكون مَعْصُوما من الْخَطَأ والغلط بل وَلَا من الذُّنُوب وَأفضل أَوْلِيَاء الله بعد الرُّسُل أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَهُ لما عبر الرُّؤْيَا أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا أَبَا سُلَيْمَان لما قَالَ هَذِه الْكَلِمَة لَو ألقاني فِي النَّار لَكُنْت بذلك رَضِيا أَن يكون بعض النَّاس حَكَاهُ بِمَا فهمه من المعني أَنه قَالَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار وَتلك الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا أَبُو سُلَيْمَان مَعَ أَنَّهَا لَا تدل على رِضَاهُ لذَلِك وَلَكِن تدل على عزمه بِالرِّضَا بذلك فَنحْن نعلم أَن هَذَا الْعَزْم لَا يسْتَمر بل يَنْفَسِخ وَأَن هَذِه الْكَلِمَة كَانَ تَركهَا أحسن من قَوْلهَا وَأَنَّهَا مستدركة كَمَا استدركت دَعْوَى سمنون ورويم وَغير ذَلِك فَإِن بَين هَذِه الْكَلِمَة وَتلك فرقا عَظِيما فَإِن تِلْكَ الْكَلِمَة مضمونها إِن من سَأَلَ الله الْجنَّة واستعاذ من النَّار لَا يكون رَاضِيا وَفرق بَين من يَقُول أَنا اذا فعل كَذَا كنت رَاضِيا وَبَين من يَقُول لَا يكون رَاضِيا الا من يطْلب خيرا وَلَا يهرب من شَرّ وَبِهَذَا وَغَيره يعلم أَن الشَّيْخ أَبَا سُلَيْمَان كَانَ أجل من أَن يَقُول مثل هَذَا الْكَلَام فَإِن الشَّيْخ أَبَا سُلَيْمَان من أجلاء المشائخ وساداتهم وَمن اتبعهم للشريعة حَتَّى أَنه قَالَ انه ليمر بقلبي النُّكْتَة من نكت الْقَوْم فَلَا أقبلها الا بِشَاهِدين الْكتاب وَالسّنة فَمن لَا يقبل نكت قلبه الا بِشَاهِدين يَقُول مثل هَذَا الْكَلَام وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سُلَيْمَان أَيْضا لَيْسَ لمن ألهم شَيْئا من الْخَيْر أَن يَفْعَله حَتَّى يسمع فِيهِ بأثر فأذا سمع فِيهِ بأثر كَانَ نورا على نور بل صَاحبه أَحْمد بن أبي الْحوَاري كَانَ من اتبع المشائخ للسّنة فَكيف أَبُو سُلَيْمَان وَتَمام تَزْكِيَة أبي سُلَيْمَان من هَذَا الْكَلَام تظهر بالْكلَام فِي الْمقَام الثَّانِي وَهُوَ قَول الْقَائِل كَائِنا من كَانَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار ظن بعض النَّاس أَن الْجنَّة التنعم بالمخلوق ونقدم قبل ذَلِك مُقَدّمَة يتَبَيَّن بهَا أصل مَا وَقع فِي مثل هَذِه الْكَلِمَات من الِاشْتِبَاه وَالِاضْطِرَاب وَذَلِكَ أَن قوما كثيرا من النَّاس من المتفقهة والمتصوفة والمتكلمة وَغَيرهم ظنُّوا أَن الْجنَّة التنعم بالمخلوق من أكل وَشرب وَنِكَاح ولباس وَسَمَاع أصوات طيبَة وشم رَوَائِح طيبَة وَلم يدخلُوا فِي مُسَمّى الْجنَّة نعيما غير ذَلِك ثمَّ صَارُوا ضَرْبَيْنِ بعض الْمذَاهب فِي رُؤْيَة الرب ضرب أَنْكَرُوا أَن يكون الْمُؤْمِنُونَ يرَوْنَ رَبهم كَمَا ذهب الى ذَلِك الْجَهْمِية من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَمِنْهُم من أقرّ بِالرُّؤْيَةِ اما الرُّؤْيَة الَّتِي أخبر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة واما بِرُؤْيَة فسروها بِزِيَادَة كشف أَو علم أَو جعلهَا بحاسة سادسة وَنَحْو ذَلِك من الْأَقْوَال الَّتِي ذهب اليها ضرار بن عَمْرو وَطَوَائِف من أهل الْكَلَام المنتسبين الى نصر أهل السّنة فِي مَسْأَلَة الرُّؤْيَة وان كَانَ مَا يثبتونه من جنس مَا تنفيه الْمُعْتَزلَة والضرارية والنزاع بَينهم لَفْظِي ونزاعهم مَعَ أهل السّنة معنوي وَلِهَذَا كَانَ بشر وَأَمْثَاله يفسرون الرُّؤْيَة بِنَحْوِ من تَفْسِير هَؤُلَاءِ والمقصور هُنَا أَن مثبتة الرُّؤْيَة مِنْهُم من أنكر أَن يكون الْمُؤمن ينعم بِنَفس رُؤْيَته ربه قَالُوا لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة بَين الْمُحدث وَالْقَدِيم كَمَا ذكر ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فِي الرسَالَة النظامية وكما ذكره أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فِي بعض كتبه ونقلوا عَن ابْن عقيل أَنه سمع رجلا يَقُول أَسَالَك لَذَّة النّظر الى وَجهك فَقَالَ يَا هَذَا هَب أَن لَهُ وَجها أَله وَجه يتلذذ بِالنّظرِ الية وَذكر أَبُو الْمَعَالِي أَن الله يخلق لَهُم نعيما بِبَعْض الْمَخْلُوقَات مُقَارنًا للرؤية فَأَما النَّعيم بِنَفس الرُّؤْيَة فانكره وَجعل هَذَا من أسرار التَّوْحِيد مَذْهَب سلف الْأمة فِي رُؤْيَة الرب وَأكْثر مثبتي الرُّؤْيَة يثبتون تنعم الْمُؤمنِينَ بِرُؤْيَة رَبهم وَهُوَ مَذْهَب سلف الْأمة وأئمتها ومشائخ الطَّرِيق كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي فِي النَّسَائِيّ وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وقدرتك على الْخلق أحيني اذا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني اذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي اللَّهُمَّ اني أَسأَلك خشيتك فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَأَسْأَلك كلمة الْحق فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَأَسْأَلك الْقَصْد فِي الْفقر والغنى وَأَسْأَلك نعيما لَا ينْفد وقرة عين لَا تَنْقَطِع وَأَسْأَلك الرِّضَا بعد الْقَضَاء وَبرد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَأَسْأَلك لَذَّة النّظر الى وَجهك وَأَسْأَلك الشوق الى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة اللَّهُمَّ زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين وَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره عَن صُهَيْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة ان لكم عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه فَيَقُولُونَ مَا هُوَ ألم يبيض وُجُوهنَا ويثقل موازيننا ويدخلنا الْجنَّة ويجرنا من النَّار قَالَ فَيكْشف الْحجاب فَيَنْظُرُونَ اليه فَمَا أَعْطَاهُم شَيْئا أحب اليهم من النّظر اليه وَكلما كَانَ الشَّيْء أحب كَانَت اللَّذَّة بنيله أعظم وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين السّلف وَالْأَئِمَّة ومشائخ الطَّرِيق كَمَا رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ لَو علم العابدون بِأَنَّهُم لَا يرَوْنَ رَبهم فِي الْآخِرَة لذابت نُفُوسهم فِي الدُّنْيَا شوقا اليه وَكَلَامهم فِي ذَلِك كثير ثمَّ هَؤُلَاءِ الَّذين وافقوا السّلف وَالْأَئِمَّة والمشائخ على التنعم بِالنّظرِ الى الله تَعَالَى تنازعوا فِي مَسْأَلَة الْمحبَّة الَّتِي هِيَ أصل ذَلِك فَذهب طوائف من وَالْفُقَهَاء الى أَن الله لَا يحب نَفسه وانما الْمحبَّة طَاعَته وعبادته وَقَالُوا هُوَ أَيْضا لَا يحب عباده الْمُؤمنِينَ وانما محبته ارادته للاحسان اليهم وولايتهم وَدخل فِي هَذَا القَوْل من انتسب الى نصر السّنة من أهل الْكَلَام حَتَّى وَقع فِي طوائف من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَالْقَاضِي أبي بكر وَالْقَاضِي أبي يعلى وَأبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وأمثال هَؤُلَاءِ من أنكر صفة الْمحبَّة وَلَذَّة النّظر الى الله وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة شُعْبَة من التجهم والاعتزال فَإِن أول من أنكر الْمحبَّة فِي الاسلام الْجَعْد بن دِرْهَم أستاذ الجهم بن صَفْوَان فضحى بِهِ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي وَقَالَ أَيهَا النَّاس ضحوا تقبل الله ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي مضح بالجعد بن دِرْهَم فانه زعم أَن الله لم يتَّخذ ابراهيم خَلِيلًا وَلم يكلم مُوسَى تكليما ثمَّ نزل فذبحه مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة فِي ذَلِك وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَاتفقَ عَلَيْهِ سلف الْأمة وأئمتها ومشائخ الطَّرِيق أَن الله يحب وَيُحب وَلِهَذَا وافقهم على ذَلِك من تصوف من أهل الْكَلَام كَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي حَامِد الْغَزالِيّ وأمثالهما وَنصر ذَلِك أَبُو حَامِد فِي الاحياء وَغَيره وَكَذَلِكَ أَبُو الْقَاسِم ذكر ذَلِك فِي الرسَالَة على طَرِيق الصُّوفِيَّة كَمَا فِي كتاب أبي طَالب الْمُسَمّى ب قوت الْقُلُوب وَأَبُو حَامِد مَعَ كَونه تَابع فِي ذَلِك الصُّوفِيَّة اسْتندَ فِي ذَلِك لما وجده من كتب الفلاسفة من اثبات نَحْو ذَلِك حَيْثُ قَالُوا يعشق ويعشق وَقد بسط الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة الْعَظِيمَة فِي الْقَوَاعِد الْكِبَار بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وَقد قَالَ تَعَالَى يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله وَقَالَ أحب اليكم من الله وَرَسُوله وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الايمان من كَانَ لله وَرَسُوله أحب اليه مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ الا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد اذ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار وَالْمَقْصُود هُنَا أَن هَؤُلَاءِ المتجهمة من الْمُعْتَزلَة وَمن وافقهم الَّذين يُنكرُونَ حَقِيقَة الْمحبَّة يلْزمهُم أَن ينكروا التَّلَذُّذ بِنَظَر اليه وَلِهَذَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة عِنْدهم الا التنعم بِالْأَكْلِ وَالشرب وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا القَوْل بَاطِل بِالْكتاب وَالسّنة واتفاق سلف الْأمة ومشائخها فَهَذَا أحد الحزبين الغالطين أفهام بعض المتصوفة والمتفقرة والمتبتلة وَالضَّرْب الثَّانِي طوائف من المتصوفة والمتفقرة والمتبتلة وافقوا هَؤُلَاءِ على أَن الْجنَّة لَيست الا هَذِه الْأُمُور الَّتِي يتنعم بهَا الْمَخْلُوق وَلَكِن وافقوا السّلف وَالْأَئِمَّة على اثبات رُؤْيَة الله والتنعم بِالنّظرِ اليه وَأَصَابُوا فِي ذَلِك وَجعلُوا يطْلبُونَ هَذَا النَّعيم وتسمو اليه همتهم وَيَخَافُونَ فَوته وَصَارَ أحدهم يَقُول مَا عبدتك شوقا الى جنتك أوخوفا من نارك وَلَكِن لأنظر اليك واجلالا لَك وأمثال هَذِه الْكَلِمَات مقصودهم بذلك هُوَ أَعلَى من الْأكل وَالشرب والتمتع بالمخلوق لَكِن غلطوا فِي اخراج ذَلِك من الْجنَّة وَقد يغلطون أَيْضا فِي ظنهم أَنهم يعْبدُونَ الله بِلَا حَظّ وَلَا ارادة وَأَن كل مَا يطْلب مِنْهُ فَهُوَ حَظّ النَّفس وتوهموا أَن الْبشر يعْمل بِلَا ارادة وَلَا مَطْلُوب وَلَا مَحْبُوب وَهُوَ سوء معرفَة بِحَقِيقَة الايمان وَالدّين وَالْآخِرَة وَسبب ذَلِك أَن همة أحدهم الْمُتَعَلّقَة بمطلوبه ومحبوبة ومعبوده تفنية عَن نَفسه حَتَّى لَا يشْعر بِنَفسِهِ وإرادتها فيظن أَنه يفعل لغير مُرَاده وَالَّذِي طلب وعلق بِهِ همته غَايَة مُرَاده ومطلوبه ومحبوبه وَهَذَا كَحال كثير من الصَّالِحين والصادقين وأرباب الْأَحْوَال والمقامات يكون لأَحَدهم وجد صَحِيح وذوق سليم لَكِن لَيْسَ لَهُ عبارَة تبين كَلَامه فَيَقَع فِي كَلَامه غلط وَسُوء أدب مَعَ صِحَة مَقْصُوده وان كَانَ من النَّاس من يَقع مِنْهُ فِي مُرَاده واعتقاده فَهَؤُلَاءِ الَّذين قَالُوا مثل هَذَا الْكَلَام اذا عنوا بِهِ طلب رُؤْيَة الله تَعَالَى أَصَابُوا فِي ذَلِك لَكِن أخطأوا من جِهَة أَنهم جعلُوا ذَلِك خَارِجا عَن الْجنَّة فأسقطوا حُرْمَة اسْم الْجنَّة وَلزِمَ من ذَلِك أُمُور مُنكرَة نَظِير مَا ذكر عَن الشبلي رَحمَه الله أَنه سمع قَارِئًا يقْرَأ مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من ير يَد الْآخِرَة فَصَرَخَ وَقَالَ أَيْن مُرِيد الله فيحمد مِنْهُ كَونه أَرَادَ الله وَلَكِن غلط فِي ظَنّه أَن الَّذين أَرَادوا الأخرة مَا أَرَادوا الله وَهَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين مَا أَرَادوا الله وَهَذِه الْآيَة فيأصحاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين كَانُوا مَعَه بِأحد وهم أفضل الْخلق فَإِن لم يُرِيدُوا الله أفيريد الله من هُوَ دونهم كالشبلي وَأَمْثَاله وَمثل ذَلِك مَا أعرفهُ عَن بعض المشائخ أَنه سَأَلَ مرّة عَن قَوْله تَعَالَى ان الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقلتون وَيقْتلُونَ قَالَ فاذا كَانَت الْأَنْفس وَالْأَمْوَال فِي ثمن الْجنَّة فالرؤية بِمَ تنَال فَأَجَابَهُ مُجيب بِمَا يشبه هَذَا السُّؤَال وَالْوَاجِب أَن يعلم أَن كل مَا أعده الله للأولياء من نعيم بِالنّظرِ اليه وَمَا سوى ذَلِك هُوَ فِي الْجنَّة كَمَا أَن كل مَا وعد بِهِ أعداءه هُوَ فِي النَّار وَقد قَالَ تَعَالَى فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر بله مَا أطلعتهم عَلَيْهِ واذا علم أَن جَمِيع ذَلِك دَاخل فِي الْجنَّة فَالنَّاس فِي الْجنَّة على دَرَجَات مُتَفَاوِتَة كَمَا قَالَ انْظُر كَيفَ فضلنَا بَعضهم على بعض وللآخرة أكبر دَرَجَات وأكبر تفضيلاوكل مَطْلُوب للْعَبد بِعبَادة أَو دُعَاء أَو غير ذَلِك من مطَالب الْآخِرَة هُوَ فِي الْجنَّة طلب الْجنَّة والاستعاذة من النَّار طَرِيق أَنْبيَاء الله وَرُسُله وَطلب الْجنَّة والاستعاذة من النَّار طَرِيق أَنْبيَاء الله وَرُسُله وَجَمِيع أولياءه السَّابِقين المقربين وَأَصْحَاب الْيَمين كَمَا فِي السّنَن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ بعض أَصْحَابه كَيفَ تَقول فِي دعائك قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ اني أَسأَلك الْجنَّة وَأَعُوذ بك من النَّار أما اني لَا أحسن دندنتك وَلَا دندنة معَاذ فَقَالَ حولهما ندندن فقد أخبر أَنه هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ وَهُوَ أفضل الْأَئِمَّة الراتبين بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انما يدندنان حول الْجنَّة أفيكون قَول أحد فَوق قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ وَمن يُصَلِّي خلفهمَا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَلَو طلب هَذَا العَبْد مَا طلب كَانَ فِي الْجنَّة أهل الْجنَّة نَوْعَانِ وَأهل الْجنَّة نَوْعَانِ سَابِقُونَ مقربون وأبرار أَصْحَاب يَمِين قَالَ تَعَالَى كلا ان كتاب الْأَبْرَار لفي عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ان الْأَبْرَار لفي نعيم على الأرائك ينظرُونَ تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بهَا المقربون قَالَ ابْن عَبَّاس تمزج لأَصْحَاب الْيَمين مزجا ويشربها المقربون صرفا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشرا ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا دَرَجَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي الا لعبد من عباد الله وَأَرْجُو أَن أكون أَنا ذَلِك العَبْد فَمن سَأَلَ الله لي الوسلية حلت عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة فقد أخبر أَن الْوَسِيلَة الَّتِي لَا تصلح الا لعبد وَاحِد من عباد الله وَرَجا أَن يكون هُوَ ذ لَك العَبْد هِيَ دَرَجَة فِي الْجنَّة فَهَل بَقِي بعد الْوَسِيلَة شَيْء أَعلَى مِنْهَا يكون خَارِجا عَن الْجنَّة يصلح للمخلوقين وَثَبت فِي الصَّحِيح أَيْضا فِي حَدِيث الْمَلَائِكَة الَّذين يَلْتَمِسُونَ النَّاس فِي مجَالِس الذّكر قَالَ فَيَقُولُونَ للرب تبَارك وَتَعَالَى وجدناهم يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك قَالَ فَيَقُول وَمَا يطْلبُونَ قَالُوا يطْلبُونَ الْجنَّة قَالَ فَيَقُول وَهل رأوها قَالَ فَيَقُولُونَ لَا قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو رأوها قَالُوا يستعيذون من النَّار قَالَ فَيَقُول وَهل رأوها قَالَ فَيَقُولُونَ لَا قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو رأوها قَالُوا لَو رأوها لكانوا أَشد مِنْهَا استعاذة قَالَ فَيَقُول أشهدكم اني أَعطيتهم مَا يطْلبُونَ وأعذتهم مِمَّا يستعيذون أَو كَمَا قَالَ قَالَ فَيَقُولُونَ فيهم فلَان الخطاء جَاءَ لحَاجَة فَجَلَسَ مَعَهم قَالَ فَيَقُول هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم فَهَؤُلَاءِ الَّذين هم من أفضل أَوْلِيَاء الله كَانَ مطلوبهم الْجنَّة ومهربهم من النَّار وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَايع الْأَنْصَار لَيْلَة الْعقبَة وَكَانَ الَّذين بَايعُوهُ من أفضل السَّابِقين الْأَوَّلين الَّذين هم أفضل من هَؤُلَاءِ المشائخ كلهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترط لِرَبِّك وَلِنَفْسِك ولأصحابك قَالَ أشْتَرط لنَفْسي أَن تنصروني مِمَّا تنْصرُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وأهليكم وَأَشْتَرِط لِأَصْحَابِي أَن تواسوهم قَالُوا فاذا فعلنَا ذَلِك فَمَا لنا قَالَ لكم الْجنَّة قَالُوا مد يدك فوَاللَّه لَا نقيلك وَلَا نستقيلك وَقد قَالُوا لَهُ فِي أثْنَاء الْبيعَة ان بَيْننَا وَبَين الْقَوْم حِبَالًا وعهودا وانا ناقضوها فَهَؤُلَاءِ الَّذين بَايعُوهُ من أعظم خلق الله محبَّة لله وَرَسُوله وبذلا لنفوسهم وَأَمْوَالهمْ فِي رضَا الله وَرَسُوله على وَجه لَا يلحقهم فِيهِ أحد من هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرين قد كَانَ غَايَة مَا طلبوه بذلك الْجنَّة فَلَو كَانَ هُنَاكَ مَطْلُوب أَعلَى من ذَلِك لطلبوه وَلَكِن علمُوا أَن فِي الْجنَّة كل مَحْبُوب ومطلوب بل وَفِي الْجنَّة مَا لَا تشعر بِهِ النُّفُوس لتطلبه فَإِن الطّلب وَالْحب والارادة فرع عَن الشُّعُور والاحساس والتصور فَمَا لَا يتصوره الانسان وَلَا يسحه وَلَا يشْعر بِهِ يمْتَنع أَن يَطْلُبهُ وَيُحِبهُ ويريده فالجنة فِيهَا هَذَا وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُم مَا يشاءون فِيهَا ولدينا مزِيد وَقَالَ وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين فَفِيهَا مَا يشتهون وفيهَا مزِيد على ذَلِك وَهُوَ مَا لم يبلغهُ علمهمْ ليشتهوه كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وَهَذَا بَاب وَاسع غلط من قَالَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار فاذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَقَوْل الْقَائِل الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار ان أَرَادَ بذلك أَن لَا تسْأَل الله مَا هُوَ دَاخل فِي مُسَمّى الْجنَّة الشَّرْعِيَّة فَلَا تسأله النطر اليه وَلَا غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَطْلُوب جَمِيع الْأَنْبِيَاء والأولياء وَأَنَّك لَا تستعيذ بِهِ من احتجابه عَنْك وَلَا من تعذيبك فِي النَّار فَهَذَا الْكَلَام مَعَ كَونه مُخَالفا لجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر الْمُؤمنِينَ فَهُوَ متناقض فِي نَفسه فَاسد فِي صَرِيح الْعُقُول وَذَلِكَ أَن الرِّضَا الَّذِي لَا يسْأَل انما لَا يسْأَله لرضاه عَن الله وَرضَاهُ عَنهُ انما هُوَ بعد مَعْرفَته بِهِ ومحبته لَهُ واذا لم يبْق مَعَه رضَا عَن الله وَلَا محبَّة لله فَكَأَنَّهُ قَالَ يرضى أَن لَا يرضى وَهَذَا جمع بَين النقيضين وَلَا ريب أَنه كَلَام من لم يتَصَوَّر مَا يَقُول وَلَا عقله يُوضح ذَلِك أَن الراضي انما يحملهُ على احْتِمَال المكاره والآلام مَا يجده من لَذَّة الرِّضَا وحلاوته فاذا فقد تِلْكَ الْحَلَاوَة واللذة امْتنع أَن يتَحَمَّل ألما ومرارة فَكيف يتَصَوَّر أَن يكون رَاضِيا وَلَيْسَ مَعَه من حلاوة الرِّضَا مَا يحمل بِهِ مرَارَة المكاره وَإِنَّمَا هَذَا من جنس كَلَام السَّكْرَان والفاني الَّذِي وجد فِي نَفسه حلاوة الرِّضَا فَظن أَن هَذَا يبْقى مَعَه على أَي حَال كَانَ وَهَذَا غلط عَظِيم مِنْهُ كغلط سمنون كَمَا تقدم وان أَرَادَ بذلك أَن لَا يسْأَل التَّمَتُّع بالمخلوق بل يسْأَل مَا هُوَ أَعلَى من ذَلِك فقد غلط من وَجْهَيْن من جِهَة أَنه لم يَجْعَل ذَلِك الْمَطْلُوب من الْجنَّة وَهُوَ أَعلَى نعيم الْجنَّة وَمن جِهَة أَنه أَيْضا أثبت أَنه طَالب مَعَ كَونه رَاضِيا فاذا كَانَ الرِّضَا لَا يُنَافِي هَذَا الطّلب فَلَا يُنَافِي طلبا آخر اذا كَانَ مُحْتَاجا الى مَطْلُوبه وَمَعْلُوم أَن تمتعه بِالنّظرِ لَا يتم الا بسلامته من النَّار وبتنعمه من الْجنَّة بِمَا هُوَ دون النّظر وَمَا لَا يتم الْمَطْلُوب الا بِهِ فَهُوَ مَطْلُوب فَيكون طلبه للنَّظَر طلبا للوازمه الَّتِي مِنْهَا النجَاة من النَّار فَيكون رِضَاهُ لَا يُنَافِي طلب حُصُول الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة عَنهُ وَلَا طلب حُصُول الْجنَّة وَدفع النَّار وَلَا غَيرهمَا مِمَّا هُوَ من لَوَازِم النّظر فَتبين تنَاقض قَوْله وَأَيْضًا فاذا لم يسْأَل الله الْجنَّة وَلم يستعذ بِهِ من النَّار فاما أَن يطْلب من الله مَا هُوَ دون ذَلِك مِمَّا يحْتَاج اليه من طلب مَنْفَعَة وَدفع مضرَّة واما أَن لَا يَطْلُبهُ فان طلب مَا هُوَ دون ذَلِك واستعاذ مِمَّا هُوَ دون ذَلِك فَطَلَبه للجنة أولى واستعاذته من النَّار أولى وان كَانَ الرِّضَا أَن لَا يطْلب شَيْئا قطّ وَلَو كَانَ مُضْطَرّا اليه وَلَا يستعيذ من شَيْء قطّ وان كَانَ مضرا فَلَا يخلوا اما أَن يكون ملتفتا بِقَلْبِه الى الله فِي أَن يفعل بِهِ ذَلِك واما أَن يكون معرضًا عَن ذَلِك فَإِن الْتفت بِقَلْبِه الى الله فَهُوَ طَالب مستعيذ بِحَالهِ وَلَا فرق بَين الطّلب بِالْحَال والقال وَهُوَ بهما أكمل وَأتم فَلَا يعدل عَنهُ وان كَانَ معرضًا عَن جَمِيع ذَلِك فَمن الْمَعْلُوم أَنه لَا يحيى وَيبقى الا بِمَا يُقيم حَيَاته وَيدْفَع مضاره بذلك وَالَّذِي بِهِ يحيى من الْمَنَافِع وَدفع المضار اما أَن يُحِبهُ ويطلبه ويريده من أحد أَو لَا يُحِبهُ وَلَا يَطْلُبهُ وَلَا يُريدهُ فَإِن أحبه وَطَلَبه وأراده من غير الله كَانَ مُشْركًا مذموما فضلا عَن أَن يكون مَحْمُودًا وان قَالَ لَا أحبه وأطلبه وأريده لَا من الله وَلَا من خلقه قيل هَذَا مُمْتَنع فِي الْحَيّ فَإِن الْحَيّ مُمْتَنع عَلَيْهِ أَن لَا يحب مَا بِهِ يبْقى وَهَذَا أَمر مَعْلُوم بالحس وَمن كَانَ بِهَذِهِ المثابة امْتنع أَن يُوصف بِالرِّضَا فَإِن الراضي مَوْصُوف بحب وارادة خَاصَّة اذ الرِّضَا مُسْتَلْزم لذَلِك فَكيف يسلب عَنهُ ذَلِك كُله فَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا يبين فَسَاد هَذَا الْكَلَام وَأما فِي سَبِيل الله وَطَرِيقه وَدينه فَمن وُجُوه أَحدهمَا أَن يُقَال الراضي لَا بُد أَن يفعل مَا يرضاه الله والا فَكيف يكون رَاضِيا عَن الله من لَا يفعل مَا يرضاه الله وَكَيف يسوغ رضَا مَا يكرههُ الله ويسخطه ويذمه وَيُنْهِي عَنهُ وَبَيَان هَذَا أَن الرِّضَا الْمَحْمُود اما أَن يكون الله يُحِبهُ ويرضاه واما أَن لَا يُحِبهُ ويرضاه فَإِن لم يكن يُحِبهُ ويرضاه لم يكن هَذَا الرِّضَا مَأْمُورا بِهِ لَا أَمر ايجاب وَلَا أَمر اسْتِحْبَاب فَإِن من الرِّضَا مَا هُوَ كفر كرضا الْكفَّار بالشرك وَقتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم ورضاهم بِمَا يسخطه الله ويكرهه قَالَ تَعَالَى ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم فَمن اتبع مَا أَسخط الله بِرِضَاهُ وَعَمله فَقَط أَسخط الله وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الْخَطِيئَة اذا عملت فِي الأَرْض كَانَ من غَابَ عَنْهَا ورضيها كمن حضرها وَمن شَهِدَهَا وسخطها كَانَ كمن غَابَ عَنْهَا وأنكرها وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيكون بعدِي أُمَرَاء تعرفُون وتنكرون فَمن أنكر فقد برىء وَمن كره فقد سلم وَلَكِن من رَضِي وتابع هلك وَقَالَ تَعَالَى يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فن ترضوا عَنْهُم فان الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين فَرضنَا عَن الْقَوْم الْفَاسِقين لَيْسَ مِمَّا يُحِبهُ الله ويرضاه وَهُوَ لَا يرضى عَنْهُم وَقَالَ تَعَالَى أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدِّينَا فِي الْآخِرَة الا قَلِيل فَهَذَا رضَا قد ذمَّة الله وَقَالَ تعال ان الَّذين لَا يرجون لقاءنا وَرَضوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا واطمأنوا بهَا فَهَذَا أَيْضا رضَا مَذْمُوم وَسوى هَذَا وَهَذَا كثير فَمن رَضِي بِكُفْرِهِ وَكفر غَيره وفسقه وَفسق غَيره ومعاصيه ومعاصي غَيره فَلَيْسَ هُوَ مُتبعا لرضا الله وَلَا هُوَ مُؤمن بِاللَّه بل هُوَ مسخط لرَبه وربه غَضْبَان عَلَيْهِ لَا عَن لَهُ ذام لَهُ متوعد لَهُ بالعقاب وَطَرِيق الله الَّتِي يَأْمر بهَا المشائخ المهتدون انما هِيَ الْأَمر بِطَاعَة الله وَالنَّهْي عَن مَعْصِيَته فَمن أَمر أَو اسْتحبَّ أَو مدح الرِّضَا الَّذِي يكرههُ الله ويذمه وَيُنْهِي عَنهُ ويعاقب أَصْحَابه فَهُوَ عَدو لله لأولى لله وَهُوَ يصد عَن سَبِيل الله وَطَرِيقه لَيْسَ بسالك لطريقه وسبيله واذا كَانَ الرِّضَا الموجوده فِي بني آدم مِنْهُ مَا يُحِبهُ الله وَمِنْه مَا يكرههُ ويسخطه وَمِنْه مَا هومباح لَا من هَذَا وَلَا من هَذَا كَسَائِر أَعمال الْقُلُوب من الْحبّ والبغض وَغير ذَلِك لكها تَنْقَسِم الى مَحْبُوب لله ومكروه لله مُبَاح فاذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فالراضي الَّذِي لَا يسْأَل الله الْجنَّة وَلَا يستعيذه من النَّار يُقَال لَهُ سُؤال الله الْجنَّة واستعاذته من النَّار اما أَن تكون وَاجِبَة واما أَن تكون مُسْتَحبَّة واما أَن تكون مُبَاحَة واما أَن تكون مَكْرُوهَة وَلَا يَقُول مُسلم انها مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة وَلَيْسَت أَيْضا مُبَاحَة مستوية الطريفين وَلَو قيل انها كَذَلِك فَفعل الْمُبَاح المستوي الطَّرفَيْنِ لَا يُنَافِي الرِّضَا اذ لَيْسَ من شَرط الراضي أَن لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَلَا يفعل أَمْثَال هَذِه الْأُمُور فاذا كَانَ مَا يَفْعَله من هَذِه الْأُمُور لَا يُنَافِي رِضَاهُ أينافي رِضَاهُ دُعَاء وسؤال هُوَ مُبَاح واذا كَانَ السُّؤَال وَالدُّعَاء كَذَلِك وَاجِبا أَو مُسْتَحبا فمعلوم أَن الله يرضى بِفعل الْوَاجِبَات والمستحبات فَكيف يكون الراضي الَّذِي من أَوْلِيَاء الله لَا يفعل مَا يرضاه وَيُحِبهُ بل يفعل مَا يسخطه ويكرهه وَهَذِه صفة أَعدَاء الله لَا أَوْلِيَاء الله احتجاج الْقَدَرِيَّة بِأَن الرِّضَا بِقَضَاء الله مَأْمُور بِهِ ورد أهل السّنة على ذَلِك والقشيري قد ذكره فِي أَوَائِل بَاب الرِّضَا فَقَالَ اعْلَم أَن الْوَاجِب على العَبْد أَن يرضى بِقَضَاء الله الَّذِي أَمر بِالرِّضَا بِهِ اذ لَيْسَ كل مَا هُوَ بِقَضَائِهِ يجوز للْعَبد أَو يجب على العَبْد الرِّضَا بِهِ كالمعاصي وفنون محن الْمُسلمين وَهَذَا الَّذِي قَالَه قَالَه قبله وَبعده وَمَعَهُ غير وَاحِد من الْعلمَاء كَالْقَاضِي أبي بكر وَالْقَاضِي أبي يعلى وأمثالهما لما احْتج عَلَيْهِم الْقَدَرِيَّة بِأَن الرِّضَا بِقَضَاء الله مَأْمُور بِهِ فَلَو كَانَت الْمعاصِي بِقَضَاء الله لَكنا مأمورين بِالرِّضَا بهَا وَالرِّضَا بِمَا نهى الله عَنهُ لَا يجوز فأجابهم أهل السّنة عَن ذَلِك بِثَلَاثَة أجوبة أَحدهَا وَهُوَ جَوَاب هَؤُلَاءِ وجماهير الْأَئِمَّة أَن هَذَا الْعُمُوم لَيْسَ بِصَحِيح فلسنا مأمورين أَن نرضى بِكُل مَا قضى وَقدر وَلم يجىء فِي الْكتاب وَالسّنة أَمر بذلك وَلَكِن علينا أَن نرضى بِمَا أمرنَا أَن نرضى بِهِ كطاعة الله وَرَسُوله وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذكره أَبُو الْقَاسِم وَالْجَوَاب الثَّانِي أَنهم قَالُوا انا نرضى بِالْقضَاءِ الَّذِي هُوَ صفة الله أَو فعله لَا بالمقضي الَّذِي هُوَ مَفْعُوله وَفِي هَذَا الْجَواب ضعف قد بَيناهُ فِي غير هَذَا الْموضع الثَّالِث أَنهم قَالُوا هَذِه الْمعاصِي لَهَا وَجْهَان وَجه الى العَبْد من حَيْثُ هِيَ فعله وصنعه وَكَسبه وَوجه الى الرب من حَيْثُ هُوَ خلقهَا وقضاها وقدرها فيرضى من الْوَجْه الَّذِي يُضَاف بِهِ الى الله وَلَا يرضى من الْوَجْه الَّذِي يُضَاف بِهِ الى العَبْد اذ كَونهَا شرا وقبيحة ومحرما وسببا للعذاب والذم وَنَحْو ذَلِك انما هُوَ من جِهَة كَونهَا مُضَافَة الى العَبْد وَهَذَا مقَام فِيهِ من كشف الْحَقَائِق والأسرار مَا قد ذكرنَا مِنْهُ مَا قد ذَكرْنَاهُ فِي غير هَذَا الْموضع وَلَا يحْتَملهُ هَذَا الْمَكَان فَإِن هَذَا مُتَعَلق بمسائل الصِّفَات وَالْقدر وَهِي من أعظم مطَالب الدّين وأشرف عُلُوم الْأَوَّلين والآخرين وأدقها على عقول أَكثر الْعَالمين وَالْمَقْصُود هُنَا أَن مشائخ الصُّوفِيَّة وَالْعُلَمَاء وَغَيرهم قد بينوا أَن من الرِّضَا مَا يكون جَائِزا وَمِنْه مَا لَا يكون جَائِزا فضلا عَن كَونه مُسْتَحبا أَو من صِفَات المقربين وَأَن أَبَا الْقَاسِم ذكر فِي الرسَالَة أَيْضا فن قيل هَذَا الَّذِي ذكرتموه أَمر بَين وَاضح فَمن أَيْن غلط من قَالَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار وَغلط من يستحسن مثل هَذَا الْكَلَام كَائِنا من كَانَ قيل غلطوا فِي ذَلِك لأَنهم رَأَوْا أَن الراضي بِأَمْر لَا يطْلب غير ذَلِك الْأَمر فَالْعَبْد اذا كَانَ فِي حَال من الْأَحْوَال فَمن رِضَاهُ أَن لَا يطْلب غير تِلْكَ الْحَال ثمَّ انهم رَأَوْا أَن أقْصَى المطالب الْجنَّة وأقصى المكاره النَّار فَقَالُوا يَنْبَغِي أَن لَا يطْلب شَيْئا وَلَو أَنه الْجنَّة وَلَا يكره مَا يَنَالهُ وَلَو أَنه النَّار وَهَذَا وَجه غلطهم وَدخل عَلَيْهِم الضلال من وَجْهَيْن أَحدهمَا ظنهم أَن الرِّضَا بِكُل مَا يكون أَمر يُحِبهُ الله ويرضاه وَأَن هَذَا من أعظم طرق أَوْلِيَاء الله فَجعلُوا الرِّضَا بِكُل حَادث وكائن أَو بِكُل حَال يكون فِيهَا للْعَبد طَرِيقا الى الله فضلوا ضلالا مُبينًا وَالطَّرِيق الى الله انما هِيَ أَن ترضيه بِأَن تفعل مَا يُحِبهُ ويرضاه لَيْسَ أَن ترْضى بِكُل مَا يحدث وَيكون فَإِنَّهُ هُوَ لم يَأْمُرك بذلك وَلَا رضيه لَك وَلَا أحبه بل هُوَ سُبْحَانَهُ يكره ويسخط وَيبغض على أَعْيَان أَفعَال مَوْجُودَة لَا يحصيها الا هُوَ وَولَايَة الله مُوَافَقَته بِأَن تحب مَا يحب وَتبْغض مَا يبغض وَتكره مَا يكره وتسخط مَا يسْخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي فاذا كنت تحب وترضى مَا يكرههُ ويسخطه كنت عدوه لَا وليه وَكَانَ كل ذمّ نَالَ من رَضِي مَا أَسخط الله قد نالك فَتدبر هَذَا فَإِنَّهُ يُنَبه على أصل عَظِيم ضل فِيهِ من طوائف النساك والصوفية والعباد والعامة من لَا يحصيهم الا الله الْوَجْه الثَّانِي أَنهم لَا يفرقون بَين الدُّعَاء الَّذِي أمروا بِهِ أَمر ايحاب وَأمر اسْتِحْبَاب وَبَين الدُّعَاء الَّذِي نهوا عَنهُ أَو لم يؤمروا بِهِ وَلم ينهوا عَنهُ فَإِن دُعَاء العَبْد لرَبه ومسألته اياه ثَلَاثَة أَنْوَاع أَنْوَاع دُعَاء العَبْد لرَبه نوع أَمر العَبْد بِهِ اما أَمر ايجاب واما أَمر اسْتِحْبَاب مثل قَوْله اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَمثل دُعَائِهِ فِي آخر الصَّلَاة كالدعاء الَّذِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِهِ أَصْحَابه فَقَالَ اذا قعد أحدكُم فِي الصَّلَاة فليستعذ بِاللَّه من أَربع من عَذَاب جَهَنَّم وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات وفتنة الْمَسِيح الدَّجَّال فَهَذَا دُعَاء أَمرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يدعوا بِهِ فِي آخر صلَاتهم وَقد اتّفقت الْأمة على أَنه مَشْرُوع يُحِبهُ الله وَرَسُوله ويرضاه وَتَنَازَعُوا فِي وُجُوبه فأوجبه طَاوُوس وَطَائِفَة هَذَا مُسْتَحبّ والأدعية الَّتِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بهَا لَا تخرج عَن أَن تكون وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة وكل وَاحِد من الْوَاجِب وَالْمُسْتَحب يُحِبهُ الله ويرضاه وَمن فعله رَضِي الله عَنهُ وأرضاه فَهَل يكون من الرِّضَا ترك مَا يُحِبهُ ويرضاه وَنَوع من الدُّعَاء ينْهَى عَنهُ كالاعتداء مثل أَن يسْأَل الرجل مَا لَا يصلح من خَصَائِص الْأَنْبِيَاء وَلَيْسَ هُوَ بِنَبِي وَرُبمَا هُوَ من خَصَائِص الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل أَن يسْأَل لنَفسِهِ الْوَسِيلَة الَّتِي لَا تصلح الا لعبد من عباده أَو يسْأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله بِكُل شَيْء عليما أَو على كل شَيْء قدير وَأَن يرفغ عَنهُ كل حجاب يمنعهُ من مطالعة الغيوب وأمثال ذَلِك أَو مثل من يَدعُوهُ ظَانّا أَنه مُحْتَاج الى عباده وَأَنَّهُمْ يبلغون ضره ونفعه فيطلب مِنْهُ ذَلِك الْفِعْل وَيذكر أَنه اذا لم يَفْعَله حصل لَهُ من الْخلق ضير وَهَذَا وَنَحْوه جهل بِاللَّه واعتداء فِي الدُّعَاء وان وَقع فِي ذَلِك طَائِفَة من الشُّيُوخ وَمثل أَن يَقُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِر لي ان شِئْت فيظن أَن الله قد يفعل الشَّيْء مكْرها وَقد يفعل مُخْتَارًا كالملوك فَيَقُول اغْفِر لي ان شِئْت وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَقَالَ لايقل أحدكُم اللَّهُمَّ اغْفِر لي ان شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ان شِئْت وَلَكِن ليعزم الْمَسْأَلَة فَإِن الله لَا مكره لَهُ وَمثل أَن يقْصد السجع فِي الدُّعَاء ويتشهق ويتشدق وأمثال ذَلِك فَهَذِهِ الْأَدْعِيَة وَنَحْوهَا مَنْهِيّ عَنْهَا وَمن الدُّعَاء مَا هُوَ مُبَاح كَطَلَب الفضول الَّتِي لَا مَعْصِيّة فِيهَا آراء فِي الرِّضَا وَالْمَقْصُود أَن الرِّضَا الَّذِي هُوَ من طَرِيق الله لَا يتَضَمَّن ترك وَاجِب وَلَا ترك مُسْتَحقّ فالدعاء الَّذِي هُوَ وَاجِب أَو مُسْتَحبّ لَا يكون تَركه من الرِّضَا كَمَا أَن ترك سَائِر الْوَاجِبَات لَا يكون من الرِّضَا الْمَشْرُوع وَلَا فعل الْمُحرمَات من الْمَشْرُوع فقد تبين غلط هَؤُلَاءِ من جِهَة ظنهم أَن الرِّضَا مَشْرُوع بِكُل مَقْدُور وَمن جِهَة أَنهم لم يميزوا بَين الدُّعَاء الْمَشْرُوع ايجابا واستحبابا وَالدُّعَاء غير الْمَشْرُوع وَقد علم بالاضطرار من دين الاسلام أَن طلب الْجنَّة من الله والاستعاذة بِهِ من النَّار هُوَ من أعظم الْأَدْعِيَة الْمَشْرُوعَة لجَمِيع الْمُرْسلين والنبيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَأَن ذَلِك لَا يخرج عَن كَونه وَاجِبا أَو مُسْتَحبا وَطَرِيق أَوْلِيَاء الله الَّتِي يسلكونها لَا تخرج عَن فعل وَاجِبَات ومستحبات اذ مَا سوى ذَلِك محرم أَو مَكْرُوه أَو مُبَاح لَا مَنْفَعَة فِيهِ فِي الدّين ثمَّ انه لما أوقع هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْغَلَط أَنهم وجدوا كثيرا من النَّاس لَا يسْأَلُون الله جلب الْمَنَافِع وَدفع المضار حَتَّى طلب الْجنَّة والاستعاذة من النَّار من جِهَة كَون ذَلِك عبَادَة وَطَاعَة وَخيرا بل من جِهَة كَون النَّفس تطلب ذَلِك فَرَأَوْا أَن من الطَّرِيق ترك مَا تختاره النَّفس وتريده وَأَن لايكون لأَحَدهم ارادة أصلا بل يكون مَطْلُوبه الجريان تَحت الْقدر كَائِنا من كَانَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَدخل كثيرا مِنْهُم فِي الرهبانية وَالْخُرُوج عَن الشَّرِيعَة حَتَّى تركُوا من الْأكل وَالشرب واللباس وَالنِّكَاح مَا يَحْتَاجُونَ اليه وَمَا لَا تتمّ مصلحَة دينهم الا بِهِ فَإِنَّهُم رَأَوْا الْعَامَّة تعد هَذِه الْأُمُور بِحكم الطَّبْع والهوى والعاده وَمَعْلُوم أَن الْأَفْعَال الَّتِي على هَذَا الْوَجْه لَا تكون عبَادَة وَلَا طَاعَة وَلَا قربَة فَرَأى أُولَئِكَ الطَّرِيق الى الله ترك هَذِه الْعِبَادَات وَالْأَفْعَال الطبعيات فلازموا من الْجُوع والسهر وَالْخلْوَة والصمت وَغير ذَلِك مِمَّا فِيهِ ترك الحظوظ وَاحْتِمَال المشاق مَا أوقعهم فِي ترك وَاجِبَات ومستحبات وَفعل مكروهات ومحرمات وكلا الْأَمريْنِ غير مَحْمُود وَلَا مَأْمُور بِهِ وَلَا طَرِيق الى الله طَرِيق المفرطين الَّذين فعلوا هَذِه الْأَفْعَال الْمُحْتَاج اليها على غير وَجه الْعِبَادَة والتقرب الى الله وَطَرِيق الْمُعْتَدِينَ الَّذين تركُوا هَذِه الْأَفْعَال بل الْمَشْرُوع أَن تفعل بنية التَّقَرُّب الى الله وَأَن يشْكر الله قَالَ الله تَعَالَى كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا وَقَالَ تَعَالَى كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم واشكروا لله فَأمر بِالْأَكْلِ وَالشرب فَمن أكل وَلم يشْكر كَانَ مذموما وَمن لم يَأْكُل وَلم يشْكر كَانَ مذموما وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ان الله ليرضى عَن العَبْد أَن يَأْكُل الْأكلَة فيحمده عَلَيْهَا وَيشْرب الشربة فيحمده عَلَيْهَا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد انك لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله الا ازددت بهَا دَرَجَة ورفعة حَتَّى اللُّقْمَة تضعها فِي فِي امْرَأَتك وَفِي الصَّحِيح أَيْضا أَنه قَالَ نَفَقَة الْمُؤمن على أَهله يحتسبها صَدَقَة فَكَذَلِك الْأَدْعِيَة هُنَا من النَّاس من يسْأَل الله جلب الْمَنْفَعَة لَهُ وَدفع الْمضرَّة عَنهُ طبعا وَعَادَة لَا شرعا وَعبادَة فَلَيْسَ من الْمَشْرُوع أَن ادْع الدُّعَاء مُطلقًا لتقصير هَذَا وتفريطه بل أَفعلهُ أَنا شرعا وَعبادَة ثمَّ اعْلَم أَن الَّذِي يَفْعَله شرعا وَعبادَة انما يسْعَى فِي مصلحَة نَفسه وَطلب حظوظه المحمودة فَهُوَ يطْلب مصلحَة دُنْيَاهُ وآخرته بِخِلَاف الَّذِي يَفْعَله طبعا فَإِنَّهُ انما يطْلب مصلحَة دُنْيَاهُ فَقَط كَمَا قَالَ تعال فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق وَمِنْهُم من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب وَحِينَئِذٍ فطالب الْجنَّة والمستعيذ من النَّار انما يطْلب حَسَنَة الْآخِرَة فَهُوَ مَحْمُود وَمِمَّا يبين الْأَمر فِي ذَلِك أَن يرد قَول هَؤُلَاءِ بِأَن العَبْد لَا يفعل مَأْمُورا وَلَا يتْرك مَحْظُورًا فَلَا يُصَلِّي وَلَا يَصُوم وَلَا يتَصَدَّق وَلَا يحجّ وَلَا يُجَاهد وَلَا يفعل شَيْئا من القربات فَإِن ذَلِك انما فَائِدَته حُصُول الثَّوَاب وَدفع الْعقَاب الَّذِي هُوَ النَّار فَلَا يفعل مَأْمُورا وَلَا يتْرك مَحْظُورًا وَيَقُول أَنا رَاض بِكُل مَا يَفْعَله بِي وان كفرت وفسقت وعصيت بل يَقُول أَنا أكفر وأفسق وأعصي حَتَّى يعاقبني وأرضى بعقابه فأنال دَرَجَة الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَهَذَا قَول من هُوَ من أَجْهَل الْخلق وأحمقهم وأضلهم وأكفرهم أما جهلة وحمقه فَلِأَن الرِّضَا بذلك مُمْتَنع مُتَعَذر لِأَن ذَلِك يسْتَلْزم الْجمع بَين النقيضين وَأما كفره فَلِأَنَّهُ مُسْتَلْزم لتعطيل دين الله الَّذِي بعث بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه وَلَا ريب أَن مُلَاحظَة الْقَضَاء وَالْقدر أوقعت كثيرا من أهل الارادة من المتصوفة فِي أَن تركُوا من الْمَأْمُور وفعلوا من الْمَحْظُور مَا صَارُوا بِهِ اما ناقصين محرومين واما عاصين فاسقين واما كَافِرين وَقد رَأَيْت من ذَلِك ألوانا وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور وَهَؤُلَاء الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم من الْقَدَرِيَّة طرفا نقيض هَؤُلَاءِ يلاحظون الْقدر ويعرضون عَن الْأَمر وَأُولَئِكَ يلاحظون الْأَمر ويعرضون عَن الْقدر والطائفتان تظن أَن مُلَاحظَة الْأَمر وَالْقدر مُتَعَذر كَمَا أَن طَائِفَة تجْعَل ذَلِك مُخَالفا للحكمة وَالْعدْل وَهَذِه الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة هِيَ الْقَدَرِيَّة الْمَجُوسِيَّة والقدرية المشركية والقدرية الابليسية وَقد بسطنا الْكَلَام عَلَيْهِم فِي غير هَذَا الْموضع وأصل مَا يبتلى بِهِ السالكون أهل الارادة الْعَامَّة فِي هَذَا الزَّمَان هِيَ الْقَدَرِيَّة المشركية فَيَشْهَدُونَ الْقدر ويعرضون عَن الْأَمر كَمَا قَالَ فيهم بعض الْعلمَاء أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدري وَعند الْمعْصِيَة جبري أَي مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ وانما الْمَشْرُوع الْعَكْس وَهُوَ أَن يكون عِنْد الطَّاعَة يَسْتَعِين الله عَلَيْهَا قبل الْفِعْل ويشكره عَلَيْهَا بعد الْفِعْل ويجتهد أَن لَا يَعْصِي فاذا أذْنب وَعصى بَادر الى التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار كَمَا فِي حَدِيث سيد الاسْتِغْفَار أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ وأبوء بذنبي وكا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الالهي يَا عبَادي انما هِيَ أَعمالكُم أحصيها لَكمَا ثمَّ أوفيكم اياها فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن الا نَفسه وَمن هَذَا الْبَاب دخل قوم من أهل الادارة فِي ترك الدُّعَاء وَآخَرُونَ جعلُوا التَّوَكُّل والمحبة من مقامات الْعَامَّة وأمثال هَذِه الأغاليط الَّتِي تكلمنا عَلَيْهَا فِي غير هَذَا الْموضع وَبينا الْفرق بَين الصَّوَاب وَالْخَطَأ فِي ذَلِك وَلِهَذَا يُوجد فِي كَلَام هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ الْوَصِيَّة بِاتِّبَاع الْعلم والشريعة حَتَّى قَالَ سهل بن عبد الله التسترِي كل وجد لَا يشْهد لَهُ الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ بَاطِل وَقَالَ الْجُنَيْد بن مُحَمَّد علمنَا مُقَيّد بِالْكتاب وَالسّنة فَمن لم يقْرَأ الْقُرْآن وَيكْتب الحَدِيث لَا يَصح أَن يتَكَلَّم فِي علمنَا وَالله أعلم ٨

 ===================================
 الكلم الطيب ٦٠ باب


 .
١.
...
 الحض على ذكر الله
 اللهم صل على أشرف خلقك محمد، ولله الحمد وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
 قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} (الأحزاب 70-71) وقال تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح} (فاطر 10) وقال تعالى {فاذكروني أذكركم واشكروا لي} (البقرة 152) وقال تعالى {اذكروا الله ذكرا كثيرا} (الأحزاب 41) وقال تعالى {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات} (الأحزاب 35) وقال تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} (آل عمران 190) وقال تعالى {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا} (الأنفال 44) وقال تعالى {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} (البقرة 200) وقال تعالى {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} وقال تعالى {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} (المنافقون 9) وقال تعالى {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف 205)  

١
٢

 فضل الذكر
 عن أبي الدرداء رضي الله عنه «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
 قال: ذكر الله» خرجه الترمذي وابن ماجه وقال الحاكم صحيح الإسناد.
 وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون.
 قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات» خرجه مسلم.
 وذكر عبد الله بن بسر أن «رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الايمان قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتثبت به.
 قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
 وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» أخرجه البخاري.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قعد مقعداً لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله تعالى ترة ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة» أي نقص وتبعة وحسرة.
 خرجه أبو داود.
 
٢
٣
 فضل التحميد والتهليل والتسبيح
 في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنه ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه» وقال «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وفيهما أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» خرجه مسلم وقال سمرة بن جندب رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر» خرجه مسلم وخرج أيضاً «عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة، قال: يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة، أو تحط عنه ألف خطيئة» وفيه أيضاً «عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم.
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته» وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه «أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى، أو حصى تسبح به فقال: ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك» خرجه أبو داود، والترمذي وقال حديث حسن.
 وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن «أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن.
 قال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كيراً، والحمد لله كثيراً.
 وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
 قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني.
 فلما ولى الأعرابي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد ملأ يديه من الخير» خرجه مسلم وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» قال الترمذي: حديث حسن.
 «وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله.
 قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله.
 » متفق عليه.
  ======================================
٣
٤
 في ذكر الله تعالى طرفي النهار
 قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا} (الأحزاب: 41) - الأصيل: ما بين العصر والمغرب - وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف: 205) .
 {وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار} (غافر: 55) وقال تعالى {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} (ق: 39) {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (الأنعام: 52) {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} (مريم: 11) .
 {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم} (الطور: 49) {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} (الروم: 17) {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود: 114) وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» خرجه مسلم وخرج أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر.
 وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: أصبحنا وأصبح الملك لله» «وقال عبد الله بن خبيب خرجنا في ليلة مطر، وظلمة شديدة نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فأدركناه، فقال: قل فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل فلم أقل شيئاً، قال: قل قلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد.
 والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء» خرجه ابو داود، والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
 وذكر أبو هريرة «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أصحابه يقول: إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
 وعن شداد بن أوس رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها حين يمسي فمات من ليلته، دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة» خرجه البخاري.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني شيئاً أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه - وفي رواية: وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم -.
 قله إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
 وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
 وعن ثوبان وغيره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يمسي: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك وجميع خلقك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك، أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، فإن قالها أربعاً أعتقه الله من النار» قال الترمذي: حديث حسن.
 وعن عبد الله بن غنام رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة (أو بأحد من خلقك) فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد، ولك الشكر فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته» خرجه أبو داود وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» قال وكيع: يعني الخسف.
 خرجه ابو داود والنسائي، وابن ماجه وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
 وعن طلق بن حبيب قال: «جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك.
 فقال ما احترق، لم يكن الله ليفعل ذلك، بكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ ناصيتي، إن ربي على صراط مستقيم.
 »

٤
٥

 فيما يقال عند المنام
 قال حذيفة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: باسمك اللهم أموت وأحيا، وإذا استيقظ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» متفق عليه.
 وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات» متفق عليه.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أنه أتاه آت يحثو من الصدقة - وكان قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم عليها - ليلة بعد ليلة، فلما كان في الليلة الثالثة قال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختمها لأنه لا يزال عليك من الله حق، ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال: صدقك وهو كذوب (ذاك شيطان) » خرجه البخاري و «عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في كل ليلة كفتاه» متفق عليه.
 وقال علي رضي الله عنه ما كنت أرى أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث من آخر سورة البقرة.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه، فلينفضه بصنفة إزاره.
 ثلاث مرات، فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
 » متفق عليه.
 في لفظ: «إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي، وأذن لي بذكره» وعن علي رضي الله عنه «أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده ووجدت عائشة فأخبرتها، قال علي: فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذنا مضاجعنا فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم.
 قال علي: ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين» متفق عليه.
 وقد بلغنا أنه من حافظ على هؤلاء الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ونحوه.
 وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات» - خرجه أبو داود وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
 ورواه من طريق حذيفة رضي الله عنه.
 وعن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» خرجه مسلم «وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقول: اللهم أنت خلقت نفسي، وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية.
 قال ابن عمر سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم» خرجه مسلم وعن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلاهو الحي القيوم وأتوب إليه.
 ثلاث مرات، غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن كانت عدد أيام الدنيا» قال الترمذي: حديث حسن غريب.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر» .
 خرجه مسلم.
 «وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول» متفق عليه.
 
٥
٦
 فيما يقوله المستيقظ من نومه ليلا
 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، أستجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته» خرجه البخاري و «عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أوى إلى فراشه طاهراً، وذكر الله تعالى حتى يدركه النعاس، لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله شيئاً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه» خرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
 و «عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم، أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب» خرجه أبو داود و «عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي» ويذكر «عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا أن نستغفر بالليل سبعين استغفاره»  

٦.
٧

 فيما يقوله من يفزع ويقلق في منامه
 عن بريدة قال: «شكا خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جاراً من شر خلقك كلهم جميعاً، أن يفرط أحد منهم علي، وأن يبغي علي، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا غله غيرك، ولا إله إلا أنت» خرجه الترمذي.
 «وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.
 وكان عبد الله بن عمر ويعلمهن من عقل من نبيه، ومن لم يعقل فأعقله عليه» خرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
 
٧
٨
 فيما يصنع من راى رويا
 «قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره إن شاء الله قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث، فما كنت أباليها، وفي رواية: قال: إن كنت أرى الرؤيا تهمني، حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإن رأى ما يكره، فلا يحدث به، ولينفث عن يساره (ثلاثاً) ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من شر ما رأى فإنها لن تضره» متفق عليه.
 وخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه.
 «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه.
 » 51-ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قص عليه رؤيا فقال: خيراً رأيت، وخيراً يكون.
 وفي رواية، خير تلقاه وشر توقاه، وخير لنا وشر على أعدائنا، والحمد لله رب العالمين.
 »  

٨
٩
 في فضل العبادة بالليل
 قال الله تعالى: {يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا} إلى قوله: {ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} (المزمل: 1-5) وقال تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (الإسراء: 79) ، {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا} (الدهر: 26) وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» وعن عمرو بن عبسة أنه «سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» .
 قال الترمذي: حديث حسن وصحيح.
 «وقال جابر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل خيراً من أمور الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة» خرجه مسلم وقال الله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران 17) ويذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا أن نستغفر بالليل سبعين استغفارة.
 

٩
١٠..
 في تتمة ما يقول اذا استيقظ
 عن أبي هريرة رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره» .
 حديث صحيح وعنه أيضاً «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 ما من رجل ينتبه من نومه فيقول: الحمد لله خلق النوم واليقظة.
 الحمد لله الذي بعثني سالماً سوياً، أشهد أن الله يحي الموتى وهو على كل شيء قدير - إلا قال: صدق عبدي» قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال - يعني إذا خرج من بيته ـ: (بسم الله، توكلت على الله.
 لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، يقال له كفيت، ووقيت، وهديت.
 وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» خرجه أبو داود، النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
 وقالت أم سلمه رضي الله عنها: «ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي (قط) إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي» خرجه الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
 

١٠
١١
 في دخول المنزل
 قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولاعشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء» .
 خرجه مسلم وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، بسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا.
 ثم ليسلم على أهله» .
 خرجه أبو داود «وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
 

١١.
١٢
 في دخول المسجد والخروج منه
 يذكر «عن أنس رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: بسم الله، اللهم صل على محمد وإذا خرج، قال: بسم الله، اللهم صل على محمد.
 » و «عن أبي حميد، أو أبي اسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم: وليقل اللهم أفتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك.
 » حديث صحيح، وقد خرجه مسلم بنحوه و «عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم» خرجه أبو داود.
 
.١٢.
١٣
 في الاذان ومن يسمعه
 قال أبو هريرة رضي الله عنه، «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا.
 » وعنه أيضاً «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين، أقبل، فإذا ثوب بالصلاة، أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطو بين المرء ونفسه، فيقول: أذكر كذا، أذكر كذا.
 لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى.
 » متفق عليهما وقال أبو سعيد: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولاشيء إلا شهد له يوم القيامة» .
 خرجه البخاري وقال أبو سعيد رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» متفق عليه وخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن: الله اكبر الله اكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح، قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة.
 » خرجه مسلم وخرج البخاري عن جابر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه» خرجه أبو داود وقال أنس رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة، قالوا: فماذا نقول يارسول الله؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتان لا تردان أوقلما تردان -: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا» خرجه أبو داود «وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك وحضور صلواتك، فاغفر لي» خرجه أبو داود والترمذي.
 «وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها» خرجه أبو داود.
 
١٣
١٤
 في استفتاح الصلاة
 قال أبو هريرة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم نقني من اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد» متفق عليه.
 «وعن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، (ثلاثا) ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه: الشعر، وهمزه: الموتة.
 » خرجه أبو داود.
 وعن عائشة رضي الله عنها، وأبي سعيد وغيرهما: «أن النبي كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» خرجه الأربعة.
 وخرج مسلم عن عمر رضي الله عنه، أنه كبر ثم استفتح به.
 وقال علي رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك» - (إعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين: أن جميع الكائنات خيرها وشرها، نفعها وضرها، كلها من الله تعالى وبإرادته وتقديره، فلا بد من تأويل الحديث، فذكر العلماء فيه أجوبة أحدها، وهو أشهرها، قاله النضر بن شميل والأئمة بعده - أن معناه والشر لا يتقرب (به) إليك.
 والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب.
 والثالث: لا يضاف إليك أدباً، فلا يقال، يا خالق الشر، وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير، وإن كان خالقها.
 والرابع: ليس شراً بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلق شيئاً عبثاً) أنا بك وإليك تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك خرجه مسلم ويقال أن هذا كان في صلاة الليل.
 ومما جاء في صلاة الليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» خرجه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهم (ولك الحمد) أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي، لا إله إلا أنت» متفق عليه.
 

١٤
١٥
 في دعاء الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين
 «عن حذيفة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات» .
 خرجه الأربعة.
 «وفي حديث علي رضي الله عنه، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ركع يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي وإذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد وإذا سجد يقول في سجوده: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت.
 سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» .
 خرجه مسلم وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.
 اللهم اغفر لي يتأول القرآن» متفق عليه.
 تريد قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح» خرجه مسلم وخرج أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم» «وقال عوف بن مالك: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمه إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة.
 ثم قال في سجوده مثل ذلك.
 » خرجه أبو داود، والنسائي.
 وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد وفي لفظ صحيح: ربنا لك الحمد، والمتفق عليه في لفظ (الصحيحين ربنا ولك الحمد، و: اللهم ربنا لك الحمد.
 » وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
 » خرجه مسلم.
 «وقال رفاعة بن رافع: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يتدبرونها، أيهم يكتبها أول.
 » خرجه البخاري.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء.
 » وعنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله، وآخره وعلانيه وسره.
 » «وقالت عائشة رضي الله عنها: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليله من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
 » خرجهن مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وعافني، وارزقني» وفي حديث حذيفة رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي.
 » خرجهما أبوداود وغيره.
 
١٥
١٦

 في الدعاء في الصلاة وبعد التشهد
 قال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال.
 » وعن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، واعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم.
 فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف.
 » وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله علية وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
 » متفق عليهن.
 وفي حديث علي رضي الله عنه عن صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
 » خرجه مسلم.
 وفي سنن أبي داود «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، وأما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن.
 » وعن شداد بن أوس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
 » خرجه الترمذي والنسائي.
 وعن عطاء بن السائب عن أبيه قال: «صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنه صلاة، فأوجز، فقال له بعض القوم: لقد خففت ـ أو أوجزت ـ الصلاة فقال: أما على ذلك، لقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام تبعه رجل من القوم، فسأله عن الدعاء فقال: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب.
 وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفذ، وأسألك قرة عين لاتنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
 » خرجه النسائي قال ثوبان رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» .
 خرجه مسلم وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» متفق عليه.
 «وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» .
 وقال ابن الزبير رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.
 » خرجه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه، «أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا، والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون.
 فقال: ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم.
 قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين قال أبو صالح: يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين» متفق عليه.
 وعنه أيضاً، «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
 غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
 » خرجه مسلم وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، «عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 قال: خصلتان، أو خلتان، لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً، وذلك خمسون ومائه باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان.
 ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان.
 قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا: يارسول الله كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل، قال: يأتي أحدكم ـ يعني الشيطان في منامه ـ فينومه قبل أن يقول، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولها.
 » خرجه أبو داود والترمذي والنسائي وخرجوا «عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة» وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر كل الصلوات المكتوبات» قال الترمذي: حديث حسن وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يامعاذ إني والله لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» خرجه أبو داود، والنسائي  
١٦
١٧
 في الاستخارة
 قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ وتسميه باسمه ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به.
 » خرجه البخاري بنحوه وذكر عن أنس رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك، فإن الخير فيه وما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وتثبت في أمره.
 فقد قال الله تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} » آل عمران: 159 قال قتادة: ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلاهدوا لأرشد أمرهم.
 
١٧
١٨

 في الكرب والهم والحزن
 عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» .
 متفق عليه وعن أنس رضي الله عنه: «عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا حزبه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث.
 » وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الله العظيم، وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم.
 » خرجهما الترمذي وعن أبي بكرة رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» «وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب ـ أو في الكرب ـ الله، الله ربي لا أشرك به شيئاً» .
 وفي رواية أنها «تقال سبع مرات» خرجهما أبو داود وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ـ لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» خرجه الترمذي، وفي رواية: «إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس عليه السلام» .
 وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب عبداً هم ولاحزن، فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي ـ إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً» خرجه أحمد في مسنده وابن حيان في صحيحه  
١٨
١٩
 في لقاء العدو وذي السلطان
 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم» خرجه أبو داود، والنسائي ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول عند لقاء العدو اللهم أنت عضدي وأنت نصيري، بك أجول، وبك أصول، وبك أقاتل» و «عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كان في غزوة فقال: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين.
 قال أنس: فلقد رأيت الرجال تصرع تضر بها الملائكة من بين يديها ومن خلفها» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خفت سلطاناً أو غيره فقل: لا إله إلا الله الحكيم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك» وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173) ، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال له الناس: {إن الناس قد جمعوا لكم} (آل عمران: 173)  

١٩
٢٠


٢٠
٢٠
 في الشيطان يعرض لابن ادم
 قال الله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} (المؤمنون 98 ـ 99) وفي حديث أبي سعيد وغيره «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه.
 لقول الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (فصلت: 36) » والأذان يطرد الشيطان: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أذن بالصلاة أدبر وله ضراط، فإذا قضي الندء أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر ـ يعني أقيمت الصلاة ـ فإذا قضي تثويب أقبل» وقال سهيل بن أبي صالح: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا، أوصاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، فأشرف الذي معي على الحائط، فلم ير شيئاً، فذكرت ذلك لأبي، فقال: لوشعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر» خرجه مسيلم.
 وعن زيد بن أسلم أنه ولي معادن، فذكروا كثرة الجن بها، فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت، ويكثروا من، فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئاً وقال أبو الدرداء رضي الله عنه «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال ألعنك بلعنة الله ثلاثاً، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا له: يا رسول الله، سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة ثلاث مرات، فلم يستأخر، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة.
 » خرجه مسلم «وقال عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي، وبين قراءتي يلبسها علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً، ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.
 » خرجه مسلم وقال أبو زميل: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما شيء أجده في نفسي ـ يعني شيئاً من شك ـ فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
 خرجه أبو داود.
 

٢٠
٢١

 في التسليم للقضاء من غير عجز ولا تفريط
 قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} (آل عمران: 156) وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله عز وجل، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» خرجه مسلم وعن عوف بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال: المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر، فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» خرجه أبو داود  
٢١
٢٢
 فيما ينعم به على الانسان
 قال الله تعالى في قصة الرجلين: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} .
 (الكهف: 39) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ومال وولد، فقال ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فيرى فيها آفة دون الموت» و «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى ما ما يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يسوؤه قال: الحمد لله على كل حال.
 »  

٢٢
٢٣
 فيما يصاب به المومن صغير وكبير
 قال الله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .
 (البقرة: 156-157) ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسترجع أحدكم في كل شيء، حتى في شسع نعله فإنها من المصائب.
 » وقالت أم سلمة رضي الله عنها: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها قالت: فلما توفي أبو سلمة: قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 » خرجه مسلم وقالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمه، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه.
 » خرجه مسلم.
 

٢٣
٢٤
 في الدين
 «عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابة فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل ديناً أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك.
 » قال الترمذي: حديث حسن.
 

٢٤
٢٥

 في الرقي
 قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء، لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين} فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبه.
 قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال: وما يدريك أنها رقيه؟ ثم قال قد أصبتم، أقسموا واضربوا لي معكم سهماً فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
 » متفق عليه.
 وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق» خرجه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كان به قرح أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه هكذا، ووضع سفيان بن عيينة إصبعه بالأرض، ثم رفعها وقال: بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا.
 » وعنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً» متفق عليهما.
 و «عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده فبي جسده منذ أسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على الذي يؤلم جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.
 » خرجه مسلم.
 وعن ابن عباس رضي الله عنهما، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله» خرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
 
٢٥
٢٦
 في دخول المقابر
 قال بريدة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
 » خرجه مسلم  
٢٦
٢٧
 في الاستسقاء
 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواك (وهي جمع باكية) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً، مربعاً نافعاً غير ضار، عاجلا غير آجل فأطبقت عليهم السماء.
 » وعن عائشة رضي الله عنها، قالت، «شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بذا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستخار المطر عن إيان زمانه عنكم، وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.
 لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين.
 ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض ابطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءة وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله عز وجل سحابة.
 فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بجت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله.
 » خرجهما أبو داود

٢٧
٢٨
 في الريح
 قال أبو هريرة رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها.
 » خرجه أبو داود وابن ماجه وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها.
 وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر مافيها وشر ما أرسلت به.
 » خرجه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول اللهم إني أعوذ بك من شرها فإن مطر قال: اللهم صيباً هنيئاً.
 » خرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
 

٢٨
٢٩
 في الرعد
 كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وعن كعب أنه قال: من قال ذلك ثلاثاً، عوفي من ذلك الرعد وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق يقول: اللهم لا تقبلنا بغضبك، ولاتهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك.
 » خرجه الترمذي  

٢٩
٣٠
 في نزول الغيث
 قال زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبيه في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال.
 مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب.
 » متفق عليه.
 قال أنس رضي الله عنه: «دخل رجل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
 قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بنيان ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء، انتشرت، ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثن دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر.
 فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
 » متفق عليه.
 


٣٠
٣١
 في روية الهلال
 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة، والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله» خرجه الدارمي، وخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة.
 

٣١
٣٢
 في الصوم والافطار
 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم» قال الترمذي: حديث حسن.
 «وقال ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد قال ابن أبي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إذا أفطر يقول: اللهم إني أسألك برحتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي.
 » خرجه ابن ماجه ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت.
 » ومن وجه آخر: اللهم لك صمنا.
 وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم.
 

٣٢
٣٣
 في السفر
 يذكر «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: ما خلف رجل عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد السفر» أخرجه الطبراني وعن أبي هريرة رضي الله عنه.
 «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه» وعن ابن عمر رضي الله عنهما، «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله إذا استودع شيئاً حفظه» خرجه أحمد وغيره.
 وقال سالم كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل إذا أراد سفراً: أدن مني أودعك كما «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
 ومن وجه آخر كان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلاً أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
 وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً، زودني، فقال: زودك الله التقوى.
 قال: ويسر لك الخير حيثما كنت» .
 قال الترمذي: حديث حسن (غريب) .
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه، «أن رجلاً قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر، فأوصني، قال: عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف.
 فلما ولي الرجل، قال: اللهم اطو له البعد، وهون عليه السفر» قال الترمذي حديث حسن.
 
٣٣
٣٤
 في ركوب الدابة
 «قال: علي بن ربيعة: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} (الزخرف: 13) ، ثم قال: الحمد لله - ثلاث مرات _، ثم قال: الله أكبر - ثلاث مرات - ثم قال: سبحانك - اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت، قال: إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري» خرجه أبو داود والنسائي، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
 وخرج مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أن النبي كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} (الزخرف: 13) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.
 وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن.
 آبيون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون» في وجه آخر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا علوا الثنايا، كبروا وإذا هبطوا سبحوا» وهو في الصحيح  

٣٤
٣٥.
. في ركوب البحر
 يذكر عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا: {بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} (هود: 41) ، {وما قدروا الله حق قدره} (الأنعام: 91) »
٣٥
٣٦
 في الدابة الصعبة
 قال يونس بن عبيد رحمه الله: ما من رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} (آل عمران: 83) إلا وقفت بإذن الله تعالى.
 وقد فعلنا ذلك فكان كذلك بإذن الله تعالى.
 
٣٦
٣٧
 في الدابة تنفلت
 عن ابن مسعود رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة، فليناد: يا عباد الله احبسوا، فإن لله عز وجل في الأرض حاضراً سيحبسه»  
٣٧
٣٨

 في القرية ام البلدة اذا اراد دخولها
 عن صهيب رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها، إلا قال حين يراها: اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع، وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، ,شر ما فيها» خرجه النسائي وغيره.
 

٣٨
٣٩
 في المنزل ينزله
 عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها، قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» خرجه مسلم.
 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعو1 بالله من شرك، وشر ما فيك، وسر ما خلق فيك، وشرما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد» خرجه أبو داود.
 
٣٩
٤٠
 في الطعام والشراب
 قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} (البقرة: 172) «قال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك» متفق عليه.
 وقالت عائشة رضي الله عنها.
 «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر الله تعالى في أوله، فليقل: بسم الله، أوله وآخره» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
 وعن أمية بن مخشي رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم الله تعالى حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه، قال: بسم الله، أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه» خرجه أبو داود والنسائي.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه» متفق عليه.
 وعن وحشي، «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون.
 قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه» خرجه أبو داود وابن ماجه.
 وقال أنس رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها» خرجه مسلم.
 وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل طعاماً، فقال: الحمد لله أطعمني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه» قال الترمذي: حديث حسن.
 وعن أبي سعيد رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وجعلنا من المسلمين» خرجه أبو داود والترمذي.
 و «عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاماً يقول: بسم الله.
 وإذا فرغ من طعامه قال: اللهم أطعمت، وأسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت» خرجه النسائي وغيره.
 وخرج البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا»  
٤٠
٤١
 في الضيف ونحوه
 «ذكر عبد الله بن يسر رضي الله عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، قال: فقربنا إليه طعاماً ووطبة فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه.
 قال: فقال: أبي وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم» خرجه مسلم.
 وعن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفكر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة» خرجه أبو داود وغيره.
 وخرج أيضاً «عن جابر رضي الله عنه قال: صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما فرغوا قال: أثيبوا أخاكم.
 قالوا: يا رسول الله، وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته، فأكل طعامه وشرب شرابه، فدعوا له، فذلك إثابته»  
٤١
٤٢
 في السلام
 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه «أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» متفق عليه.
 وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» خرجه مسلم.
 وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الانصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار.
 وقال عمران بن حصين: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر، فقال، ثلاثون.
 » قال: الترمذي حديث حسن.
 وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام» قال الترمذي: حديث حسن.
 وخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجزئ عن الجماعة إذا مروا، أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم» أنس رضي الله عنه: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبية يلعبون، فسلم عليهم» حديث صحيح.
 وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 اذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلم، فإن بدا له أن يجلس، فليجلس، ثم إذا قام، فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة» قال الترمذي: حديث حسن.
 
٤٢
٤٣

 في العطاس والتثاوب
 قال أبو هريرة رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم، وحمد الله، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله.
 وأما التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان» وقال أيضاً، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم» خرجهما البخاري وفي لفظ أبي داود: «الحمد لله على كل حال» وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه» خرجه مسلم  
٤٣
٤٤

 في النكاح
 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» ، وفي رواية زيادة: «أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (النساء: 1) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (آل عمران: 102) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب: 70-71) » خرجه الأربعة وقال الترمذي: حديث حسن.
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الانسان، إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» قال الترمذي: حديث حسن صحيح وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ـ وإذا اشترى بعيراً، فليأخذ بذورة سنامه وليقل مثل ذلك.
 » خرجه أبو داود، وابن ماجه وقال ابن عباس رضي الله عنهما، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا ـ فقضي بينهما ولد، لم يضره شيطان أبدا» متفق عليه  
٤٤
٤٥
 في الولادة
 «يذكر أن فاطمة رضي الله عنها لما دنا ولادها، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، وزينب بنت جحش، أن يأتيا فيقرأ عندها آية الكرسي، و {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض} إلى آخر الآية (الأعراف: 54) و (يونس: 3) : ويعوذاها بالمعوذتين» «وقال أبو رافع رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رضي الله عنها بالصلاة» قال الترمذي حديث حسن صحيح.
 ويذكر عن الحسين بن علي رضي الله عنهما، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، لم تضره أم الصبيان» وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم بالبركة، ويحنكهم» خرجه أبو داود.
 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق» قال الترمذي: حديث حسن.
 وقد «سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وإبراهيم بن أبي موسى، وعبد الله بن أبي طلحة، والمنذر بن أبي أسيد قريباً من ولادتهم» وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» ذكره أبو داود.
 وذكر مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن» وعن أبي وهب الجشمي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله تعالى، عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث، وهمام، وأقبحها حرب ومرة» خرجه أبو داود والنسائي «وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء المكروهة إلى أسماء حسنة، فكانت زينب تسمى: برة.
 فقيل تزكي نفسها، فسماها زينب، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة، وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، وغير اسم عاصية، فسماها جميلة، وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: أصرم.
 قال: بل أنت زرعة، وسمى حرباً: سلماً وسمى المضطجع: المنبعث، وأرضاً يقال لها: عفرة، سماها: خضرة، وشعب الضلالة، سماها شعب الهدى، وبنو الزنية، سماهم: بنو الرشدة»
٤٥
٤٦
 في صياح الديك، والنهيق والنباح
 ذكر أبو هريرة رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم نهاق الحمير، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً، وإذا سمعتم صياح الديكة، فسلوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً» متفق عليه.
 وعن جابر رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله منهن، فإنهن يرون ما لا ترون» خرجه أبو داود  
٤٦
٤٧

 في الحريق
 يذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه»
٤٧
٤٨
 في المجلس
 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك.
 » قال الترمذي: حديث حسن صحيح وفي حديث آخر: أنه إذا كان في مجلس خير، كان كالطابع له، وإن كان مجلس تخليط، كان كفارة له وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة» خرجه أبو داود وغيره وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤ لاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من حشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولاتجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» قال الترمذي: حديث حسن  
٤٨
٤٩
 في الغضب
 قال الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فصلت: 36 «وقال سليمان بن صرد: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه.
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد» متفق عليه وعن عطية بن عروة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم، فليتوضأ» ذكره أبو داود
٤٩
٥٠
 في روية اهل البلاء
 عن أبي هريرة رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
 لم يصبه ذلك البلاء.
 » قال الترمذي: حديث حسن  
٥٠
٥١..
 في دخول السوق
 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة.
 » خرجه الترمذي وعن بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق قال: بسم الله، اللهم، إني أسألك من خير هذه السوق، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، وشر مافيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يميناً فاحرة، أو صفقة خاسرة» إسناد هذا أمثل من الأول  
٥١
٥٢
 في النظر في المراة
 يذكر عن أنس رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله، وكرم صورة وجهي فحسنها، وجعلني من المسلمين» وعن علي رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله، اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي»
٥٢
٥٣
 في الحجامة
 عن علي رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ آية الكرسي عند الحجامة، كانت منفعة حجامتة»  

٥٣
٥٤
 في الاذن اذا طنت
 عن أبي رافع رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى عليه وسلم إذا طنت أذن أحدكم، فليذكرني، وليصل علي، وليقل: ذكر الله بخير من ذكرني» .
 

٥٤
٥٥
 في الرجل اذا خدرت
 عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد، فكأنما نشط من عقال وعن مجاهد قال: خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما، فقال له ابن عباس.
 اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد صلى الله عليه وسلم، فذهب خدره  
٥٥
٥٦

 في الدابة اذا تعست
 «عن أبي المليح، عن رجل قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابته، فقلت: تعس الشيطان، فقال: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: باسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب»  
٥٦
٥٧


٥٧ فيمن اهدى هدية ودعي له
 «عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة قال: اقسميها فكانت عائشة إذا رجعت الخادم تقول: ما قالوا؟ تقول الخادم: قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشة: وفيهم بارك الله، نرد عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا.
 » وقد بلغنا عنها في الصدقة نحو ذلك.
٥٨
 فيمن اميط عنه الاذى
 «عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أنه تناول من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مسح الله عنك يا أبا أيوب ما تكره.
 وفي وجه آخر: لايكن بك السوء يا أبا أيوب» وعن عمر رضي الله عنه أنه أخذ من لحية رجل أو رأسه شيئاً، فقال الرجل: صرف الله عنك السوء، فقال عمر رضي الله عنه: صرف الله عنا السوء منذ أسلمنا، ولكن إذا أخذ عنك شيء فقل: أخذت يداك خيراً.
 
٥٨.
٥٩

 في روية باكورة الثمر
 قال أبو هريرة رضي الله عنه: «كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان» خرجه مسلم.
 

٥٩.
٦٠
 في الشيء يعجبه ويخاف عليه العين
 قال الله تعالى {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} (الكهف: 39) «وقال النبي صلى الله عليه وسلم: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» حديث صحيح ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه، أو ماله، فليبرك عليه، فإن العين حق» ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم شيئاً فأعجبه فليقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله» ويذكر «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنه كان إذا خاف أن يصيب شيئاً بعينه قال: اللهم بارك فيه ولا تصره» وقال أبو سعيد رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، وعين الانسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذهما، وترك ما سواهما» قال الترمذي: حديث حسن  

٦٠
.
٦١
 في الفال والطيرة
 «قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى، ولا طيرة، وأصدقها الفأل.
 قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الحسنة يسمعها الرجل» «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل» مثل ما كان في سفر الهجرة، فلقيهم رجل فقال: ما اسمك؟ قال بريدة.
 قال: برد أمرنا وقال: رأيت في منامي كأني في دار عقبة بن رافع، وأتينا من رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة لنا في الآخرة، وأن ديننا قد طاب.
 وأما الطيرة ف «قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: قلت يا رسول الله، منا رجال يتطيرون.
 قال: ذلك شيء تجدونه في صدوركم فلا يصدنكم هذه الأحاديث في الصحاح» .
 و «عن عروة بن عامر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطيرة فقال: أصدقها الفأل، ولا تردوا مسلماً، وإذا رأيتم شيئاً تكرهونه فقولوا: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله»  
٦١.
٦٢
 في الحمام
 «عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً -وهو شبه- قال: نعم البيت الحمام يدخله المسلم، إذا دخله سأل الله الجنة، واستعاذه من النار» .
 
٦٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقحمات في عرف اصحاب التأويل والتعقيب

  المقحمات والنووي   -----------  التعقيب  علي المقحمات  التعقيب علي المقحمات المقحمات   المقحمات قلت المدون يتبين م...